الرئيسية
سجل الزوار
القائمة البريدية
راسلنا
خريطة الموقع
جديد الصور
جديد البطاقات
جديد الصوتيات
المتواجدون الآن
تغذيات RSS
2012-12-25 09:29
نعم.. هو ذاك الحائر..
عيناه تدوران في محجريهما.. لسانه وكأنه قد شُلَّ
خطا خطوة نحو تلك النار المتأجِّجة
الرعب يكاد يحطِّم فؤاده
صرخاتٌ تطرق مسامعه.. واحدةٌ منها كفيلة بأن لا يهنأ عيشٌ لسامعها
لهبٌ متراقص..
مُعذَّبون الواحدُ منهم غاية أمانيه.. الموت
ثم..
صرخة هائلة
التفت.. وإذا بها..
نعم.. هي ابنته
قلبه الذي كان يمشي على الأرض
فلذة كبده التي بذل لها مهجته، ثم..
ثم توقَّف ذلك القلب عن النبض وهو في ريعان شبابه
وأصبحت تلك الفلذة مزقًا مبعثرة في زوايا القبور
ودّع ابنته المتوفاة بقلبٍ متألِّم
تلك الزهرة التي ذبلت بمجرد أن تفتحت.. أو قبل أن تتفتح
مات قلبه.. وواراه خلف التراب
نعم .. هي ابنتي !
يا وليتى.. لماذا أنت هنا حبيبتي؟
كانت تصارع النيران بيديها وتصرخ
وقف حائرًا بين الإقدام والإحجام
ماذا يفعل؟
لم يَطُل تفكيره.. فقد التفتت إليه تلك المُعذَّبة..
وقالت له: أنت السبب
قد يهون على المرء أن تنزل به صاعقة
قد يَقبل أن يمزِّق قلبه أشلاءً بسكين
أما أن يرى أحبَّ أحبائه يُعذَّب أمام عينيه ثم..
ثم يلقي حبيبُه باللائمة عليه..
ويقولها دون مواربة: أنت السبب
فهذا ما لا يتحمله إنسان
وقف مشدوهًا..
صرخ صرخة من أعماق قلبه
مزَّقت ما تبقى من نياط قلبه: أنا؟
ما زال نظرُها مسلَّطًا على أبيها العاجز
نظرة عجيبة.. ما أقساها على أب!
أهي نظرة بغض.. أم استعطاف.. أم يأس.. أم.. أم..
أنت السبب.. أنت السبب.. أنت السبب
انطلقت كلماتها كالرصاص يخترق قلبه
أخذت الكلمة تتردد في رأسه ويعلو صداها و...
********************************
بكى الباكون على ابنته
ثم لجأوا إلى مضاجعهم
ولم يبق ساهرًا في ظلمة الليل إلا عيناه القريحتان
كانت هذه حاله بعد وفاة ابنته
كم من مرة استيقظ فزِعًا.. صارخًا.. باكيًا
لا زالت تلك الرؤيا تلاحقه
لا في منامه فقط
وإنما الأشد إيلامًا أنها تطارده في يقظته
كانت تلك الرؤيا لا تفارق مخيلته
كان كلما رأى نارًا تذكَّر مشهد ابنته تلفحها النيران وسمع صوتها:
أنت السبب
كلما سمع أصوات أخواتها الشبيهة بصوتها تذكَّرَ صرختها الحارقة:
أنت السبب
كلما تصفح صُورها.. ونظر إلى جمالها الأخاذ
عينيها.. ابتسامتها
شعر أن عينيها تثقبان قلبه بتلك النظرة
وشفتاها تنفرجان:
أنت السبب
ما أقسى أن تجتهد في دفع ذكرى حبيبك الغائب
لأنها لا تزيدك إلا عذابًا
كانت كلما تراءت له في مخيلته دفعَها دفعًا
وهي من أحب الناس إليه!
كم تألَّم.. كم تمزَّقَ قلبه!
كم هام على وجهه هاربًا من شبح ابنته الذي يلاحقه ولا يفتأ يصرخ:
أنت السبب.. أنت السبب
تذكَّر كيف كانت ابنته منه ملء السمع والبصر و..
والقلب
تذكر كيف شبَّت أمامه منذ كانت طفلة
حتى أشرفت على البلوغ
وبدأ جسدها يتغير.. وصوتها يرقّ
كان يعلم أنه يجب عليه أن يلزمها بالحجاب الشرعي
الحجاب الذي أمر به الله عز وجلَّ
لا يدري لمَ لمْ يفعل؟
هل كان يخاف من المجتمع؟
أم خشي أن لا تتزوج؟
أم أراد أن يسعدَها بزعمه؟
كبرت أمامه.. كانت تتفنَّن في التَّجمُّل قبل خروجها من المنزل
كان يرى بعينيه.. يسمع بأذنيه
ويقول: صغيرة.. غدًا ستكبر وتتزوج وتتحجب
كم من مرة طرق سمعَه قولُ الله تبارك وتعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب: 59].
كان يتغافل كأن الكلام لا يعنيه
وكم من مرة سمع الخطيب بالمسجد يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«صنفان من أمتي لم أرهما..»
وذكر صلى الله عليه وسلم منهما ..
«ونساء كاسيات عارياتمائلات مميلات ..رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة..لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » [رواه مسلم].
كم سمع هذا الحديث ..
أكان لا يدري أن هذا الحديث ينطبق أول ما ينطبق على فلذة كبده؟
أكان لا يدري أن هذا الوصف ينطبق على ابنته؟
أكان لا يدري..
أم أنه كان يصرف عن رأسه التفكير في هذا الأمر؟
لا تظن أنه كان لا يعلم أن الله تعالى قال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم: 6].
أو أنه لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسئول عن رعيته » [رواه البخاري].
كان يعلم..
كان يعلم أنه مسئول عن ابنته
لا تسأله الآن لماذا لم يعمل..
فها هو كما ترى..
يمشي هائمًا على وجهه.. صارخًا
يعلم أن ابنته تُعذَّب في قبرها
لا يملك لها إلا دمعة لا يستطيع إرسالها
وزفرة لا يستطيع تصعيدها
فقد نضبت عيناه
وخار صدره
هيهات له أن يمدَّ لها يد العون
يعلم أنه السبب.. نعم هو السبب
هو السبب في عذابها
ولكنه في عالم وهي في عالم
وهيهات هيهات أن يقدم لها شيئًا
******************************
مرت به الأيام.. وعلم أن الله غفور رحيم
علم أنه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر
علم أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل
علم أن الغفور الرحيم ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول:
هل من تائب؟
هل من مستغفر؟
هل من سائل؟
رفع يديه إلى السماء
طرق باب الكريم جل جلاله
وعاد إلى ربه تائبًا مستغفرًا
دلَّ بناته على طريق ربهم
ارتدين الحجاب ولله الحمد والتزمن بشرع الله تبارك وتعالى
كانت أختُهن عبرة لهنَّ
ولكنه لم يستطع أن ينسى ابنته التي كان سببًا في عذابها
وأنَّى لقلب أب أن ينسى ولده!
كان بين الحين والآخر يذكر ابنته وصرخاتها
فلا يملك إلا دمعة حارة تسيل على وجنته
وسجدة في جوف الليل
وزفرة ملتهبة
ودعوة من قلب محترق:
اللهم اغفر لها وارحمها..
سعيدةٌ حزينةٌ تلك النهاية
ولكن تلك قصته..
ليست من بنيَّات أفكاري أو من نسج خيالي ..
إنما هي قصة واقعية.. لا يزال صاحبها يسكب العبرات بين يدي ربه
قصته سقتُها إليك..
لا لتهييج المشاعر
وإنما هي همسة مُحب ونصيحة مشفق و..
وصرخة نذير..
ابنتك ابنتك
اعلم أنها من رعيَّتك وأنك مسئول عنها
اعلم أن حجابها ستُسأل أنت عنه يوم القيامة
نعم ستُسأل..
أترضى أن تقول لك :
لمَ لمْ تأمرني بالحجاب؟
أترضى أن تتشبث بك يوم القيامة
وتشتكيك إلى ربها:
يا رب حاسبه لأنه لم يرشدني
يا رب إنه كان يعلم، وتركني في غياهب الضلالة
أيها الحبيب.. أين الحب؟
أين حبك لها؟ أين حرصك عليها؟
أحريص على ابنته من يعرضها لغضب ربها؟
أحريص على ابنته من يحرمها من رحمة ربها وجنته؟
لا والله ..
ومثله أيضًا من يريد أن يخادع الله عز وجل
فيقنع نفسه وابنته بما يسمونه حجابًا
وما هو بحجاب لا في شرع ولا لغة و..
ولا عقل
أتضع الفتاة قطعة من القماش على رأسها
وتقنع نفسها أنها قد تحجبت
وهي ما فعلت إلا أنها وضعت غطاء رأس على ملابس التبرج
ألا تعلم ما أخبر الله عز وجل به عن نفسه
من فوق سبع سماوات:
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر: 19].
انتهت كلماتي..
الصفحات قد تُطوى
والذكرى قد تُنسى
ولكن السعيد من اعتبر بغيره
كان ذلك الأب عبرة لمن اعتبر
وكم أُشفق عليك أن أراك ـ حبيبي ـ وقد صرتَ مكان هذا الرجل
لا أريد أن يأتي اليوم الذي تصير قصتك أنت هي العبرة
وتقف أمام الخلق ..
قد ملأت الدموع وجهك ..
وتصرخ:
يا ليتني اعتبرت!
أيها الناس هلمُّوا إليَّ لتتعظوا بغيركم..
تعالوا..
أقصُّ عليكم.. نبأ ابنتي
أبو الفرج المصري
المصدر: مدونة الكاتب
|
|
خدمات المحتوى
|
تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.