الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
رسائل للشباب أواصر دامعة |
2012-07-30 11:50
لازمة الطريق" أيها الفتي السالك درب النور ، الطريق رحب يسع ذويك ، فأمسك بلجم جيادهم ، واحذر صيحة منك تنفرها ، فإن كان فاقترب منها ، وتحمل ما يؤذيك من رهج سنابكها ، وامسح بالأعناق تأنس إليك ، واستأنف بأحبتك المسير. واقطعه بحداء ونشيد ، ترقب ثغوراً باسمة ، وقلوباً تهفو ، وعيوناً تحنو، يغار منكم الود ، وإذ بالربوة الخضراء تبرز من أغوار الأرض ، فتفترشون بساطها الأخضر ، تداعبكم نسمات الربيع ، يشجي مسامعكم إيقاع السكون الرتيب ، فتهمس في حنان " أنتم مني وأنا منكم " ". أوهام علي الدرب هزه الإيمان فانبرى ، ونزع عنه ثوب الماضي الرث ، وطرح جهله بسر الحياة ، وود لو اصطبغ العالم بلون حياته الجديد. بعد ما فار الإيمان في قلبه ، طرق باب عرينه بالثوب الجديد ، فاستقبلته الأبصار المحدقة المتسائلة، كان من المفترض في حسبانه ، أن هذه النقلة البعيدة في حياته سوف تحول محيط أسرته إلي حديقة غناء نقية الأجواء ، لكنه سرعان ما أبصر الغيم تلبدت به سماؤهم ، والصخر الحاد قد غزا مواطئ الأقدام ، فبكت الأواصر الأسرية ذلك المناخ الصعب . وكأني أراك أيها الشاب تومئ برأسك تصديقاً لما أقول ، وقد حصرتَ تصوراتك لعوامل وجود ذلك المناخ في زاوية واحدة ، وهي تلك المعوقات التي يصنعها ذووك والضغوط التي تمارس عليك للتراجع ، أو تلك المخالفات الشرعية التي ضقت بها ذرعاً في بيتك ، وأزكم دخانها أنفك . وهذه العوامل وإن كانت معتبرة وجديرة بالطرح والمناقشة إلا أنها أولاً شيء طبيعي لا يخرج عن إطار السنن الإلهية التي يتزين بها هذا الطريق ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ). ثم إنها ثانيا ليست العامل الوحيد ولا الأخطر في وجود ذلك المناخ بل الأخطر منه موقفك أنت في مواجهة ما تكره ، وكيفية التعامل معه. فلا تلق باللوم علي الأسرة وتحملها المسئولية في ضعف الروابط الأسرية ووجود هذا المناخ السيئ. فإذا تفحصنا الواقع رأينا بعض الشباب تدفعهم حماسة غير راشدة إلي التعامل مع تلك المعوقات والمخالفات بقسوة وغلظة وعنف وجهل بمواضع الأمر والنهي ، وصاروا يستعيرون من الماضي صور التعذيب والاضطهاد ، والصبر وغربة الإسلام الأولي وعداوة أبي جهل، وقد تعتمل في نفوسهم رغبة خفية في تحصيل لذة المحاكاة وبعضهم تسيطر عليه تلك النظرة القاصرة المتردية للحياة ، من تعليم وكسب وأعمار للأرض ، وربطوا بين الالتزام وبين البطالة والراحة والإعراض عن شئون الحياة النافعة ، مما أورث أهليهم حزناً وغماً ، بالإضافة إلي الانطباعات السيئة عن الملتزمين عموما. وبعضهم يبالغ في التنطع ، وصير أوهاماً ليست من الدين صيرها نسكاً كالتجهم وتهذيب - تعذيب - نفسه بالتجويع والحبس عن النوم والتبذل في الهيئة وغير ذلك من مظاهر الغلو وبعضهم وبعضهم....... أخي الحبيب وأن كنت حولت وجهة الخطاب عنك إلا أني لا أبرأك ولو من شيء واحد من هذه السلبيات . إذا فالذي يحتاج إلي تعديل المسار هو أنت. أنت الذي بيده الدفة ، أنت الأقدر علي تنقية الأجواء. ولئن كان في خطابي شيء من القسوة إلا أن جوهرها حرص عليك ومحبة لك هي ما تجعلني أحاول تطويع القلم في خدمتك ورسم خارطة تعديل مسارك في محيطك الأسري حتى تصفوا الأجواء ، وتستقر الأوضاع المتوترة. سنتناول سوياً كل ما من شأنه أن يضعف هذه الروابط ، أو يخلق واقعاً مزعجاً في المحيط الأسري ، ولن تعدم الاستفادة إن شاء الله على أي حال ، فإن كان الكلام يتفق معه واقعك فأكون قد أرشدتك ، وإن لم يكن فالوقاية خير من العلاج ولتحمد الله على السلامة. وفي جولتنا نعرض المشاكل وحلولها ، نبدأها بمشكلة الغلو والتشدد وتعطيل أو إهمال شئون الحياة وتلك المفاهيم المغلوطة التي تسيطر على بعض الشباب مع بداية إلتزامهم ، وأسباب ذلك ، وأثره على الروابط الأسرية ، ثم توجيه للشباب في هذا الشأن بتصحيح المفاهيم. وقد يكون الشاب بمنأى عن هذا الخلل المفاهيم والسلوكي ولكن يواجه بعض العقبات والعراقيل التي يضعها أهله أمامه لكي يتراجع ، فنبين دوافعه إلى ذلك وكيفية تعامل الشاب مع هذه العقبات ، وقد يكون الأمر ليس على هذا النحو ، وأن الأمر ينحصر في المخالفات الشرعية التي ربما لا يعدونها في الأصل مخالفات ، بينما تؤرق الشاب الذي قد يسيء التعامل معها فنبين كيفية التعامل مع تلك المخالفات ، وقد لا يكون في واقع الأسرة شيء مما سبق ، الشاب معتدل منضبط المسار والأهل متفاهمون لا يجدون غضاضة في قبول التحول الجديد في حياة ولدهم ، بل يستجيبون لنصحه أو على الأقل لا يضايقونه بما لا يحب رؤيته ، والأمور مستقرة والعلاقات وطيدة فهل ينتهي دورنا حينئذ ؟ لا والله ، فلم لا يستبد بنا الطموح ويكون التوجيه حينها للوصول الى المعالي ، ببيان الدور الذي يقوم به الشاب في الإرتقاء بأسرته حتى تكون له قوة دافعة إلى الأمام ويكون منهم دعاة إلى الحق والخير. كل هذه الأمور سوف نطرق أبوابها ونجول في أروقتها ن شاء الله تعالى. فهلم نطلق لأنفسنا أشرعتها البيضاء . ونبدأ رحلتنا بزاد أراك بحاجة إليه : -- منطلقات الرشاد-- إنها الأسس التي ينبغي للشاب أن يبني عليها تعاملاته مع أسرته ، ويستصحب معانيها ، فإنها تمنحه بإذن الله رشد الخطا ونقاء التصورات ، ووضوح الرؤى أسوق منهما: 1- الوكاء المحكم : اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً بالغاً ، وأولاها عناية فائقة ابتداء بالترغيب في الزواج حيث أنه أساس تكوين الأسرة نواة المجتمع ، ثم وضع معايير الانتقاء الصحيحة كما في الأحاديث ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ).( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) ، ومروراً بتنظيم المعاملات بين الزوجين ( خيركم خيركم لنسائه ) ( لو كنت أمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ) وحفظ مكانة المرآة واستقلالها بملكيتها الخاصة ، ونظم العلاقة بين الأبوين وأبنائهم من حقوق وواجبات ، وشرع آداب الاستئذان والدخول، إلي غير ذلك من جملة صور العناية بالأسرة . فالرابطة الأسرية محكمة قوية ينبغي الحفاظ علي قوتها وإحكامها. 2- لمعة في عينك : عين تلمع بعبرة من رافد نهر المحبة والشفقة ، هذه هي الحال الواجبة مع الأهل حتى لو كانوا يمثلون عائقا لك عن الالتزام – أن اقترضنا ذلك – إنهم لا يبغضونك ، لا يبغضون التزامك ، لا يبغضون الدين ، أنما لهم دوافعهم النبيلة وفق ما عندهم من رؤى ومفاهيم ، إنهم ليسوا بفرعون وهامان وأبي جهل ، أنهم مسلمون يحبون الله ورسوله والإسلام ، الأصل فيهم الخير والضد عارض ، فوجه سهامك نحو المؤثرات التي جعلتهم يستنكرون صبغة لم يألفوها. 3- اختيار : وهمٌ وفرار : بعض الشباب يتساهل في إلزام نفسه بحتمية الاختيار بين التزامه وبين أهله إذا ما تعقدت الأمور قليلا ، يدفعه إلي ذلك قصر النفس والرغبة في الفرار من مواجهة الواقع ومشكلاته ، أو يكون دافعه رغبة في رؤية ألذات في سجل المواقف الإيمانية، فينجم عن هذا الاختيار عزلة معنوية أو مكانية. والحق أن يمحو الشاب من تصوراته هذه الحتمية ، حيث أن حفاظه علي الرابطة الأسرية وتعايشه مع الواقع الأسري بالضوابط الشرعية ، وقيامه بالنصح والتوجيه ، كل ذلك من صميم الالتزام . وفي مجتمعاتنا الإسلامية يندر أن يكون هناك حالات يتحتم علي الشاب فيها الاختيار ، فإن وجد فلا يقرر الشاب من تلقاء نفسه ، وإنما عليه الرجوع إلي الثقات من أهل العلم . 4- ميدان أنت فارسه : الأسرة ميدان عظيم من ميادين الدعوة، وأنت أيها الشاب فارس هذا الميدان ، وما أيسر اقتحامه حيث أنك تملك مفاتيح تلك الشخصيات التي ستدعوها ، ومناخ الأسرة أنت علي دراية تامة بطبيعته ، فما أعجبك من داعية تتفاني في الدعوة وميادينها البعيدة ، وتسقط من حساباتك أقرب الميادين .مع أنه أحقها بالاختراق قال تعالي ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) 5- ( إنك لا تهدي من أحببت ) : استصحبها في كل نصيحة تسديها لهم ، في كل توجيه ، في كل طريقة دعوية تسلكها معهم ، فإنما عليك البلاغ ، عليك الدلالة وعلي الله التوفيق ، وإنما أنت في أجر مادمت في سعي. وذلك حتى لا يتملكك اليأس والإحباط إن رأيت إعراضها أو نفوراً. أيها الميمون : مداد القلم لم ينضب ، أري الشوق يهزه لتنساب منه مشاعر المحبة المختزنة ، تتجسد في ثوب الإرشاد ، من أجلك أنت يا فتي الإسلام. ألقاك علي خير إن شاء الله تعالي . 6- ظلك السرمدي : قد ينفك عنك ظلك بظلمة أو حجب عن الضوء ، ولكن الظل الذي أعنيه لا ينبغي أن يكون بينك وبينه فراق ، فهو من الثوابت التي لا يسوغ لك التفريط فيها تحت مظلة الوفاق ، إنها القاعدة العظيمة التي وضعها سيد المرسلين ( لا طاعة لبشر في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) ولم يدع الدين هنالك مجالا لتميع الأمور واختلاط المفاهيم فبالرغم من أن الله تعالي أمر ببر الوالدين ولو كانا علي الشرك إلا أنه وضع لذلك حداً بارزاً واضحاً فإن كان ثمة أوامر فيها مخالفة لأمر الله فالجواب الحاسم ( فلا تطعهما ) فالتفريط في أمور الدين الواجبة بدعوى الصلة والوفاق هو وهم لا ينبغي. في الحلقة القادمة ( جسر من حرير).
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةمحتويات مشابهة/قالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |