الرئيسية
سجل الزوار
القائمة البريدية
راسلنا
خريطة الموقع
جديد الصور
جديد البطاقات
جديد الصوتيات
المتواجدون الآن
تغذيات RSS
2012-12-25 09:29
"يوم الامتحان يُكرم المرء أو يُهان"، مقولة تقليدية يسمعها الطلاب منذ بداية حياتهم الدراسية المليئة بالحشو العقلي، والتخمة الفكرية، والتوتر النفسي، والضغط العصبي، والخوف المَرَضي، وإرهاب الاختبارات، أو ما كان يُسمّى في الماضي ـ وحتى الآن في بعض الأماكن ـ (الامتحانات).
والامتحان ـ بالطبع ـ يعني في اللغة: "الابتلاء" الذي هو من المصائب التي يبتلي بها الله عباده!! والإهانة التي وردت في المثل المشار إليه هي الكلمة الوحيدة التي تعلق في أذهان كثير من الطلاب، خاصة أن المتميزين الذين يتوقعون أن (يُكرم المرء) يوم الامتحان، عددهم قليل مقارنة بمن يتوقع له ـ يوم الامتحان ـ أن يُهان !
وبناءً على ذلك يصبح الخوف والتوتر هما السائدان لدى الأغلبية من طلابنا، خوف وتوتر يصلان ـ أحياناً ـ إلى مرحلة المرض النفسي، والاكتئاب الذي يصبغ حياة الطالب في بيته ومدرسته، مع أهله وإخوانه في البيت، مع زملاء الدراسة في قاعات الدرس، ومع الأصحاب والأصدقاء والجيران.. حتى يتحول هذا الخوف وذلك التوتر إلى كراهية ـ أحياناً ـ للناس والأشياء، وإلى مظاهر أخرى كالانسحاب، والانزواء، بل قد يتطور الأمر فيتحول هذا الطالب الخائف المتوتر المسكين إلى شخص عدواني يفتعل المشكلات مع الآخرين!
تجده في البيت عنيفاً مع إخوانه وإخوانه الصغار، يغضب حينما لا تُلبّى طلباته التي يطلبها من أمه أو أبيه، متحفزاً دائماً لكل حركة أو صوت عالٍ يسمعه ليتخذه حجة لعدم مذاكرته. أما في المدرسة أو الجامعة، مع الزملاء، بل ومع المعلمين أنفسهم فإنهم ينالهم نصيبهم من العنف والعصبية والتوتر.
ومن المهم ونحن نتحدث عن هذه الظاهرة التي تجد لها مكاناً بين الظواهر الجديرة بالدراسة- أن نتطرق إلى بعض مظاهرها التي نراها في مدارسنا وجامعاتنا على حد سواء، ومنها:
1ـ إتلاف بعض الممتلكات في المؤسسة التعليمية كالمقاعد أو طاولات الدراسة، أو صنابير المياه، خصوصاً إذا لم يوفق الطالب في حل أسئلة الاختبار.
2ـ تمزيق الكتب الدراسية كنوع من تفريغ شحنة الغضب أو الكراهية للمادة العلمية ومعلمها.
3ـ تحطيم زجاج سيارة أحد المعلمين المشهورين ـ حسب زعم الطالب ـ بالشدة والتعقيد في وضع الاختبارات، مما يثير نفوس الطلاب، ويجعلهم يستخدمون ما يسمى في علم النفس (بالإزاحة)، أي تفريغ شحنة الغضب والاستياء من شخص معين بتصرّف عنيف، أو عدوان تجاه شخص آخر أو ممتلكات عامة أو خاصة، أو غيرها! بل قد يلجأ الطالب إلى الاعتداء على المعلم بالضرب أحياناً.
فإذا سلمنا بأن العنف أو العدوان ظاهرة حقيقية لدى بعض الطلاب تظهر في أعلى درجاتها في أيام الاختبارات؛ فلابد من أن ندرك أسبابها ودوافعها التي تتمثل في بعض الأمور منها:
1ـ العنف الذي تمارسه بعض المدارس والجامعات ممثلة في الإدارة أو بعض المعلمين والأساتذة في معاملة الطلاب ذوي القدرات المحدودة. وليس المقصود بالعنف هنا العقاب البدني، بل إنه قد يأخذ صوراً أخرى مثل: التوبيخ، والتحقير، والإهانة، والسخرية...الخ. وقد يأخذ صوراً أخرى مثل: الإهمال، أو النبذ، أو التفرقة في المعاملة، أو الظلم، وغيرها.
2ـ ممارسة بعض المعلمين ـ وهم قلة ـ بعض التصرفات غير المنضبطة بضوابط الشرع والعقل لتفريغ بعض العقد النفسية أو الاجتماعية أو الأسرية في معاملته للطلاب، فتجد أحدهم يتصف بالتذبذب في تعامله مع طلابه؛ تراه في يوم مبتهجاً سعيداً منشرحاً، يتعامل مع أبنائه الطلاب بأريحية، ويستخدم الطرق التربوية المثلى في توصيل المعلومة، وتراه يوماً آخر ـ وفي نفس الفصل أو قاعة الدرس، ومع الطلاب أنفسهم ـ عبوساً متوتراً، يثور لأتفه الأسباب، متحفزاً لأي همسة أو حركة من أحد طلابه حتى يصب جامَّ غضبه وانفعاله على الطلاب ـ أنفسهم ـ الذين كانوا بالأمس أبناءه وأحباءه وسُمَّاره!!
بل إنه في الموقف الواحد قد يثيب أحد الطلاب في يوم، ويعاقب طالباً آخر ـ على نفس الموقف ـ في يوم آخر!، مثله في ذلك مثل النجار الذي كان يدق مسماراً في خشبة كان يصنعها، فبدلاً من أن يدق المسمار دق على إصبعه، فأخذ يسبّ ويلعن حماته! وكان جديراً به أن يلعن المسمار إن جاز اللعن أصلاً. وقديماً قيل في المثل المصري: " لم يقدر على حماته، قام على مراته"!
3ـ تنصيب بعض المعلمين أو أساتذة الجامعة أنفسهم قضاة، بل عرَّافين يرجمون بالغيب، ويحكمون على الطالب منذ اليوم الأول من أيام الدراسة بأنه مخفق، وغبي، ولا فائدة منه؛ وبالتالي يتعامل المعلم مع الطالب من خلال تلك النظرة، فيحقره، ويظلمه، ويهينه حتى يسبب له عقدة من مادته الدراسية، بل ربما من جميع المواد، ومن الدراسة نفسها؛ فيضطر الطالب ـ عن إرادة منه أو غير إرادة ـ إلى الانتقام من معلمه هذا سواء بالكيد له، أو تكسير سيارته، أو سبّه، أو افتعال المشكلات معه.. وغيرها، وآكد ما تظهر هذه الأفعال في أثناء الاختبارات حين تبلغ ذروة الكراهية للمادة الدراسية ومعلمها خلال تلك الفترة.
4ـ والتأخر الدراسي هو أحد الأسباب التي يكون من نتائجها الإحباط النفسي، الذي يتحول بدوره إلى عنف وعدوان وإتلاف للممتلكات، إذا لم يتم التعامل معه بالطرق التربوية المعروفة، وتتجلى أبرز مظاهر هذا العنف فيما نشاهده من ظاهرة جديرة بالدراسة وهي تمزيق الكتب الدراسية بعد الاختبار، ربما تعبيراً عن الفرحة بانتهاء (كابوس الاختبارات)، ولكنه على الأرجح يكون أشبه باحتفال (هستيري) بالتحرّر من سجن الدراسة وسجانيها من الأساتذة والمعلمين!!
5ـ والضغط النفسي الرهيب الذي يتعرض له أبناؤنا الطلاب من قِبَل الوالدين داخل البيت في أثناء الاختبارات؛ سبب هام جداً، لا يقل في أهميته عما ذكرناه من قبل، حيث يتحول البيت إلى معسكر أشبه بمعسكرات الجيش التي تتصف بالشدة والصرامة، وعدم التغاضي عن أي تقصير أو خطأ، والجدية التي ليس معها تهاون، فيظل ذلك الضغط النفسي ـ إضافة إلى معاناة المذاكرة والتحصيل، مروراً بالخوف والرهبة من الإخفاق في أداء الاختبارات ـ يظل ذلك كله يفعل فعله في نفس الطالب حتى يتجلى في تصرفات عدوانية تتسم بعدم الاتزان النفسي، والتوتر العصبي، بل قد يظهر في صورة مرض من الأمراض العضوية نفسية المنشأ، أو ما يسمى بالأمراض (النفسجسمية).
6ـ الضغوط الاقتصادية أحياناً تكون سبباً من أسباب إثارة الرغبة في العنف نتيجة عدم استطاعة الطالب أن يلبي متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم تنفجر بعض تلك الضغوط في صورة الاعتداء على المعلم الذي لا يستطيع امتصاص هذه الضغوط، أو العمل على إذابتها في نفس الطالب.
7ـ ضعف الوازع الديني، وافتقاد القدوة في التعامل برفق مع الناس، فالطالب الذي يفتقر إلى القدوة في الرفق ولين الجانب؛ لا يمكن أن نطالبه بذلك وهو لم يتعلمه ويمارسه من خلال مربيه ومعلميه.
8ـ الانفتاح الإعلامي والثقافي الهائل الذي نعيشه، ومظاهر العنف التي تملأ الفضائيات من خلال الأفلام، والمسلسلات، والبرامج، وحتى الألعاب لها دور خطير في تفاقم هذه الظاهرة، وليس ما نسمع عنه من حوادث القتل والاعتداء في مدارس الغرب وأمريكا إلا نتاجاً لتلك الوسائل التي اقتحمت بيوتنا، وملأت عقول شبابنا.
تلك هي بعض أسباب الظاهرة مثالاً لا حصراً، وقد أشرنا ضمناً إلى بعض مظاهرها وأعراضها، فهل من علاج لتلك المشكلة التي تؤرّق التربويين والعاملين في مجال التعليم؟ وهل هناك حل لتلك الظاهرة التي تهدر الطاقات، وتقضي على مقوّمات الإبداع، وتعطّل مواهب فئة لا يُستهان بها من شبابنا الطلاب، بل والطالبات؟!
سؤال محير يحتاج إلى دراسات، وبحوث، ولجان، واستطلاعات للرأي، لكننا نستطيع أن نجمل بعض الحلول ـ والتي تبدو نظرية في ظاهرها ـ إلا أننا ليست لدينا حيلة غير محاولة تحقيقها واقعاً عملياً في مؤسساتنا التعليمية والتربوية، وتجربتها ميدانياً في بيوتنا ومن خلال وسائل إعلامنا، حتى نستطيع أن نستثمر طاقات أبنائنا، ونحافظ على صحتهم النفسية، ونعيد إلى مؤسساتنا التربوية احترامها وهيبتها، وإلى المعلم في مدرسته، والأستاذ في جامعته وقاره وقدوته، وإلى علاقة التلميذ بالأستاذ بهاءها.
ومن هذه الحلول ما يلي:
1ـ أهمية دور الإدارة المدرسية والجامعية في توفير الجو التربوي المناسب الذي يخلو من العصبية والعنف، ويتسم بالعلاقة الأبوية بين المعلم وطلابه، تلك العلاقة التي يسودها الاحترام المتبادل، والود، والألفة.
2ـ تكثيف الدورات التربوية التي تُعنى بخصائص المرحلة العمرية للطلاب، وخصائصها النفسية، وكيفية التعامل معها، وأفضل الطرق للتعامل مع المشكلات التحصيلية، خصوصاً مشكلة التأخر الدراسي، وضعف وبطء التعلم، وغيرها.
3ـ ضرورة اهتمام المعلمين والأساتذة بقراءة ما يُكتب عن المشكلات السلوكية لدى الشباب، وكيفية التعامل معها، وحثهم على ذلك، بالإضافة إلى إقامة الدورات التدريبية التي تُعنى بتلك الأمور.
4ـ تحسين وضع المعلمين المادي والأدبي حتى يشعروا بقيمتهم الحقيقية، ومن ثم يعود للمهنة قدرها واحترامها، مما ينعكس إيجاباً على طريقة تعاملهم مع الطلاب.
5ـ تدريب الطلاب بصورة دورية على جو الاختبارات في أيام الدراسة العادية ـ الأمر الذي تفتقده كثير من المدارس والكليات ـ حتى يألفوا هذا الجو، وحتى لا يصبح الاختبار لهم مسألة حياة أو موت! وقد قال لي أحدهم يوماً: "غداً ـ في الاختبار ـ يتحدد مصيري، إما إلى الجنة وإما إلى النار! فغداً يوم القيامة"!!
6ـ عمل الدراسات الميدانية والاستبانات التي تستقري أحوال الطلاب في الفترة التي تسبق الاختبارات، وقبل دخول لجنة الاختبار، وفي أثنائها، وبعد الخروج منها؛ من أجل معرفة توجّهات الطلاب تجاه المواد الدراسية والمعلمين والاختبارات، ومن ثم وضع الحلول العملية لمشكلات العنف، والعصبية، والعدوانية، والإحباط التي تصيب بعض الطلاب في تلك الفترة.
7ـ دور المرشد الطلابي والاختصاصي النفسي هام جداً من خلال تخصصه، وخبرته الميدانية، والبرامج الإرشادية المتوفرة لديه، والأساليب العلمية التي يتقنها في التعامل مع هذه الظاهرة من خلال برامج الإرشاد الجمعي، والمقابلات الفردية، وحصر وتحليل تلك الظواهر، ودراسة الحالة، وغيرها. ولا يقتصر هذا الدور على الطلاب فقط؛ بل يتعداه إلى تبصير المعلمين وإدارة المدرسة أو الكلية بدورهم التربوي الخطير إزاء ما يتعرض له الطلاب من مشكلات وأزمات سواء في المجال التربوي أو المجال السلوكي.
وأخيراً: فإن ظاهرة العنف والعدوانية في فترة الاختبارات جديرة بالدراسة والبحث والتحليل، وتبقى مرتبطة بفئة من الطلاب، قد تكثر هنا، أو تقل هناك، لكنها تظل في النهاية تندرج تحت مسمى (الظاهرة).
المصدر: أسامة أبو المكارم - موقع الإسلام اليوم
|
|
خدمات المحتوى
|
تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.