بسم الله نبدأ وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم نسير وبهديه نقتدي ,
من أراد ارتقاء سلم الوصول فعليه بالاقتداء بالرسول , وسلم الوصول يوصل المسلم بإذن الله تعالى إلى الهدف المأمول , باتباع الحق والهدي المعمول , وبأن يعمل بالحق وبه يقول , قال تعالى { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله }
وعلى السلم يقف لك الشيطان شاهراً حربته مرتدياً لأمته , مستعداً للحرب الضروس التي ليس إلا لمن أخلص لله منها محيص , لذا أعددت لكم العدة وشمرت الهمة على فضح خطة إبليس حتى تكون الحرب بيننا وبينه بينة , وبالله وحده التوفيق فهو الهادي وحده إلى سواء السبيل والصراط الوثيق , وأستعن بذلك بعد الله تعالى بما ذكره لنا الإمام ابن القيم عليه رحمة الله بأن عداوة الشيطان للإنسان تتمثل في سبع مراتب (سأذكرها مختصرة مع تمثيل لمكائد الشيطان من الواقع والله المستعان )
الدرجة الأولى من السلم : ( الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله )
"فإذا ظفر الشيطان من ابن آدم بذلك برد أنينه , واستراح من تعبه معه , وهو أول ما يريد من العبد , فإذا ظفر به صيره من عسكره ونوابه , فصار من دعاة إبليس , فإن يئس من ذلك نقله للمرتبة الثانية من الشر "
وهذه الدرجة واضحة جلية وقد ظفر اللعين بكثير من الأمة وقعوا فيها وصيرهم من جنده , وانظر إلى مدى التلازم بين إيقاعه إياهم في الفخ , ثم تنصيبه لهم من جنده , يحاربون معه حاملي لواء النبوة والدعوة وإنا لله وإنا إليه راجعون , فاحذر يا مسلم وقاني الله وإياك شر إبليس وجنده من كل كفر زينه الشيطان للأمة في عصورنا الحالية من تحكيم شريعة البشر ودحض شريعة الرحمن ومقاتلة المطالبين بها , ومن دعاء الأموات والتوسل بهم وعبادتهم من دون الله ومحاربة أهل السنة المحذرين من ذلك , ومن الدعوة للحزبية الكفرية وخلع راية الإسلام وحزب الرحمن ومحاربتهم , ومن الدعوة للديمقراطية والاشتراكية والعلمانية وغيرها من ملل الكفر الحديثة , فالحذر الحذر ..
الدرجة الثانية من السلم : البدعة :
" لأنها أحب إليه من الفسوق والعصيان , وذلك أن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد , وهي مخالفة لدعوة الرسل , فإذا كان الشخص ممن يعادي أهل البدع والضلال نقله إلى المرتبة الثالثة .
وهذه الدرجة الهامة والمدخل السيئ من مداخل إبليس عليه لعائن الله المتتالية دخلت على الأمة وانتشر شرها , على أيدي الصوفية , وغيرهم من دعاة البدع والابتداع عن طريق نشر الموالد والمواسم الاحتفالية المبتدعة واتخاذ القبور مساجد والاحتفال عليها وايقاد السرج , ومن أخطرها الاحتفال باحتفالات الكفار من نصارى وغيرهم " كعيد شم النسيم وعيد الحب " واختراع أعياد مبتدعة كعيد الأم وعيد الميلاد , واختراع هيئات عبادية مبتدعة كاختراع أوراد أو طرق معينة للذكر ,بوسائل منحرفة ما أنزل الله به من سلطان , بل تعدى الأمر إلى اختراع صلوات مخصوصة في أوقات مخصوصة بهيئات مخصوصة , وغير ذلك من البدع التي دبت في الأمة ., ويكفينا أن نعلم بأن عمل هؤلاء مردود في وجوههم يوم القيامة لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
ويكفيه وصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها له بمعاداة الإسلام فقد قالت " من ذهب إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعانه على هدم الإسلام" , فكل بدعة قامت هدمت أمامها سنة وإنا لله وإنا إليه راجعون , فالبدع تعطل همم العلماء والدعاة عن الدعوة إلى الرد على أرباب البدع , فمن ذلك تفرغ العلماء للرد على أهل الكلام والفلسفيين , مع ظهور بدع كبدعة خلق القرآن , وبدعة الأشاعرة والمرجئة وغيرهم , وقد وقعت في العصر الحديث مثل هذه البدع فظهرت فرقة التكفير التي تكفر المسلم بالذنب , وفي مقابل ذلك ظهرت فرقة أخبث هي المرجئة التي تعتقد بأن الشرع ليس به كفر عملي , وفي الوسط مذهب أهل السنة الذي يقف على الجادة والوسط فمن كفره الشرع فهو كافر ومن دل الدليل على أن كفره أصغر فهو كذلك , سواء كان كفره اعتقادي أو عملي , فالمرجع والمحك الأساسي هو الشرع وليس رؤوس العباد أسأل الله تعالى أن يجعلنا من محيي السنن في الأمة .
الدرجة الثالثة من السلم : الكبائر على اختلاف أنواعها :
"فيحرص أن يوقعه فيها , خاصة إذا كان عالماً متبوعاً لينفر الناس عنه , ومن المعلوم أن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم , وهذا إذا أحبوا إشاعتها , فكيف إذا تولوا هم إذاعتها "
إن لم يستطع أن يوقعه فيما سبق يحرص الشيطان كل الحرص على إيقاعه في الكبائر , كالزنا , والكذب , والسرقة , واللواط , سماع الغناء المحرم , والتعرض لأعراض المسلمين وإيذائهم , وهذا مما عمت به البلوى في زماننا خاصة وأن الدعار والعياذ بالله أصبحت لهم واجهات في الأمة زخرفها إبليس اللعين باسم الفن , فترى عرض الأجساد الرخيصة كاللحم المنتن ودعوة الناس إلى التحلي بأخلاق الفجار والكفار , والاتسام بسيماهم , والمشي على طريقة حياتهم وحيوانيتهم في تعاطي الأمور , وإبعادهم عن الطهر والطهور , فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , وإلى الله نشكو شر ما تأتينا به الفضائيات وغيرها , ثم يأتي المسلم يشكوا من وقوع ابنه أو ابنته في المحظور , وهو لا يدري أنه هو الذي دلهم على الفجور , وكان بداية الخيط من جلبه لداعي الرذيلة في بيته وقد انتشر في معظم الدور .
ثم واقع آخر مرير ألا وهو انتشار المسكرات والمخدرات وغيرها بين شباب من المفترض أنهم حاملي لواء الرسول , وإنا لله وإنا إليه راجعون .
الدرجة الرابعة من درجات السلم : الصغائر التي إذا اجتمعت ربما أهلكت صاحبها :
"كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « إياكم ومحقرات الذنوب » , فلا يزال الشيطان يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها , فيكون صاحب الكبيرة الخائف أحسن حالاً منه , فإذا أعجزه العبد عن هذه نقله للخامسة "
فكثير من الناس يستهين ببعض الذنوب فلا يزال يفعل هذه مستهيناً بها ويفعل تلك محتقرأ لشأنها حتى يتكون على قلبه الران عياذاً بالله فلا يرى الحق حقاً والباطل باطلاً ,
ومن أمثلة ذلك ما انتشر مثلاً بين شباب المسلمين من نغمات الهاتف الجوال الموسيقية المحرمة , ومثل الخضوع بالقول بين الشباب والشابات عبر مواقع الشات وغيرها , ومنه تبادل الصور الممثلين والممثلات وتعليقها على الجدران , ومنها المعاكسات الهاتفية بين الجنسين التي قد تودي بالشرف والعفاف ولا تكون العاقبة إلا الخسران والعياذ بالله في الدنيا والآخرة , ومنها التهاون البسيط شيئا فشيئاً في إبداء الزينة على حجاب المرأة مما قد يستدرجها الشيطان به إلى التبرج الذي هو من الكبائر والعياذ بالله , وغي ذلك كثير فالحذار الحذار والمبادرة إلى التوبة والدخول في رحمة الله تعالى .
الدرجة الخامسة من السلم : إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب :
" بل عاقبة الإفراط في المباحات فوات الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها , فإن أعجزه العبد عن هذه بأن كان حافظاً لوقته شحيحاً به , يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله للدرجة التي بعدها "
قال تعالى { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } فالإسراف في كل شيء يودي بصاحبه موارد البتر والعياذ بالله , ومن شر أنواع الإسراف الإسراف في الكلام , الذي يسبب في الغالب لصاحبه سوء العاقبة و سوء الأفهام , كذا التخمة في الطعام والمنام قد تجعل المرء في صفوف اللئام , ويكفى صاحب التخمة أنه إذا قام داعي الجهاد ونادي في النيام , لم يجده مستعدا جاهزا ,بل خامل الذكر والحس عياذا بالله العليم العلام ..
كذا الإسراف في الولائم وإهدار نعم الله الذي صار من ديدن بعض الدول الغنية في بلاد المسلمين كدول الخليج العربي , فهذا من المفاسد العظيمة والإسراف الممقوت خاصة مع وجود دول كاملة مسلمة في أشد الحاجة لمن يهدي لها القوت الضروري , فالله المستعان .
ومن أمثلة الإسراف في الوقت , ما نراه من تسكع الكثير من شباب الأمة على المقاهي أو الشوارع , ومعاكسة أعراض المسلمين وإهدار طاقاتهم الشابة فيما لا يفيد , بل في كثير من الأحيان فيما يضر كما يحدث من تسكع شباب دول خليجية بالسيارات ليل نهار وإصدار تصرفات غير مسئولة مما يعرضه وغيره للمخاطر , ونقول لهؤلاء أين أنتم من إخراج الأمة من كبوتها أين انتم من أمثلة الصالحين المصلحين الذين تحتاجهم الأمة , أين أنتم من خالد بن الوليد , أين أنتم من صلاح الدين , أين أنتم من قطز , أين انتم من عمر المختار , أين أنتم من خطاب , أين انتم من بن لادن , أين أنتم من المجاهدين الأفذاذ . أين أنتم من علماء الأمة الأوائل أمثال عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل وسعيد بن جبير وابن حنبل والشافعي ومالك وأبو حنيفة , وابن تيمية وابن القيم والعز بن عبد السلام وابن عبد الوهاب وابن باز , هؤلاء أجدادي فجئني بمثلهم , راجعوا أنفسكم بارك الله فيكم .
فعلى المسلم أن يكون حريصاً على وقته شحيحاً به عن التفاهات , فوقتك هو رأس مالك في هذه الدنيا , أسأل الله أن يجعل أوقاتنا كلها صالحة .
الدرجة السادسة من السلم : إشغاله بالمفضول عن الفاضل :
" ليزيح عنه الفضيلة ويفتح له أبواب خير كثيرة كما ورد أنه يأمر بسبعين بابا من أبواب الخير إما ليتوصل بها إلى باب واحد من أبواب الشر وإما ليفوت بها خيراً أعظم من تلك السبعين وأجل وأعظم , وهذا أمر لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد , يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله , وأحبها إليه , وأرضاها له , وهذا لا يعرفه إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الأمة , وخلفائه في الأرض والله يمن بفضله على من يشاء من عباده .
الدرجة السابعة من السلم : وهي النهائية :" فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست , سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه وقصد إخماله وإطفاءه ليشوش عليه قلبه , ويمنع الناس من الانتفاع به فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه لا يفتر ولا يني فحينئذ يلبس المؤمن لأمة الحرب ولا يضعها عنه إلى الموت , ومتى وضعها أسر وأصيب فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله .
وهذه الدرجة هي درجة الجهاد العليا لأولياء الرحمن ضد الشيطان وأولياءه , سواء على مستوى الأفراد أو مستوى الجماعات , فالشيطان يسلط حزبه وأولياءه على الصالحين بعدما ييئس هو من مجابهتهم , فقد سلط حزبه ليحرق إبراهيم الخليل عليه السلام , وليسجنوا يوسف الصديق عليه وعلى أبيه السلام وليذبحوا يحيى من أجل بغي من بغايا بني إسرائيل , وليشقوا بالمنشار زكريا عليه السلام , وليحاولوا قتل عيسى ويطردوا محمداً من بلده عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات , وليقتلوا عمر وعثمان وعلي . إلى آخر ما لاقى الصالحون والمصلحون الموحدون عبر اللتاريخ الإنساني ..
وكذا على مستوى الجماعات عندما تحكم الدولة المسلمة شرع الله وتكون خالصة لوجهه الكريم يحرش الشيطان بها حزبه من الدول الكافرة كما حدث لدولة الإسلام الناشئة في المدينة من محاربة وإيذاء وابتلاء من دولة الكفر بمكة , ولا تزال الأمة الإسلامية , تعاني آثار عداء حزب الشيطان في فلسطين وأفغانستان والشيشان والعراق , والجماعة المؤمنة تعاني عبر التاريخ من إيذاء وتحريض حزب الشيطان .
وهنا على الفرد والأمة المسلمة أن تعد العدة سواء العقدية الإيمانية لمواجهة ما تلقاه من باطل بما معها من نور الحق { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً} , كما على الأمة أن تعد الرجال وتعد العدة لملاقاة أعداء الله إعداداً ماديا ً { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }
وعلى الفرد إعداد نفسه كذلك عقديا بالعلم النافع والعقيدة الصالحة , وكذا أن يعد بدنه وقوته لمجاهدة أعداء الله في كل وقت وحين . والله المستعان وعليه التكلان .
محمد أبو الهيثم
المصدر:إذاعة طريق الإسلام
|