الرئيسية
الأخبار
|
علوم وتكنولوجيا الخصوصية في العالم الرقمي |
2012-09-20 05:25
تبحث الشركات باستمرار عن وسائل جديدة لتسويق منتجاتها للمزيد من الزبائن المحتملين، ولا تألو في سبيل ذلك جهدًا في ابتكار أساليب خلاقة للحصول على معلومات هؤلاء لاستهدافهم في أنشطتها التسويقية. ولعل من أطرف هذه الأساليب تلك التي ابتكرتها إحدى شركات ألعاب الأطفال في الولايات المتحدة، فقد قامت هذه الشركة في إحدى إعلاناتها التلفزيونية بإظهار مهرج يطلب من الأطفال المشاهدين وضع سماعة الهاتف بالقرب من شاشة التلفزيون، حيث إن الإعلان يحتوي على مجموعة من النغمات التي ستتصل برقم مخصص تقوم الشركة من خلاله بتجميع أرقام هواتف منازل المتصلين لتتمكن بعد ذلك من استخدام هذه الأرقام لجمع معلومات العنوان وأفراد العائلة وإضافتها إلى قائمة التسويق البريدية للشركة. لن يتردد الكثيرون في اعتبار هذا الأسلوب ضربًا من ضروب التحايل، وقد يدفعهم إلى ازدراء الشركة التي استخدمته على اعتبار أن الغاية لا تبرر الوسيلة. لكن الواقع أن هؤلاء أنفسهم يتعرضون يوميًّا لممارسات لا حصر لها لا تختلف أهدافها كثيرا عن هذا المثال، حتى وإن اختلفت في الأساليب. وتحضرني هنا قصة شخصية حصلت معي أثناء توجهي إلى المطار في إحدى الدول، إذ وصلتني رسالة من شركة الهاتف الجوال مفادها: "مساء الخير، نتمنى لك سفرًا سعيدًا، وتقديرًا منا لاستخدامك شبكتنا نرغب في دعوتك إلى مضافة المسافرين المميزين. ما عليك إلا أن تعرض هذه الرسالة على موظف شركة الطيران وسيتكفل هو بالإجراءات. مع السلامة ونتطلع إلى خدمتك مجددًا عما قريب". لن أنكر أن هذه الرسالة رسمت ابتسامة عريضة على وجهي، لكني سرعان ما أدركت خفاياها لتنقلب دعوة الشركة إلى نقمة جعلتني أمضي الرحلة بأكملها (بما فيها الاستراحة في مضافة المسافرين المميزين) وأنا أتمعن في كم المعلومات الهائل الذي تجمعه عني شركة الهاتف، وشركة بطاقة الائتمان، والمصرف، وشركة التأمين، وغيرها الكثير، وأقلق على ما قد يؤول إليه ذلك. يتطلب تقديم عروض ترويجية مخصصة إلى درجة تماثل ما حدث معي أثناء وصولي إلى المطار جمع وتحليل كميات هائلة من المعلومات عن طبيعة الزبون وأنشطته ووضعه المادي وتحركاته وتفضيلاته، التي قد تصل كما في مثالنا إلى متابعته باستمرار أينما حل ورحل لانتهاز أي فرصة قد تسنح لتعريضه لرسالة تسويقية. " هناك بالتأكيد متسع من الفرص لاستثمار معلومات المستخدمين لدعم أنشطة التسويق والإعلان، لكن ضمن حدود يجب أن تبقى واضحة ومحددة " حدود الخصوصية قد يعتقد الكثيرون أنه لا ضير في ذلك طالما أنه يحقق منفعة مشتركة للشركة وللزبون، إذ يتاح للشركة تسويق منتجاتها وخدماتها لأكثر الزبائن تقبلاً لها، ويتاح للزبون الاستفادة من سخاء العروض الترويجية أو الخدمات الخاصة. بل قد يقول قائل إنه لولا سوق الإعلانات هذه لما حصلنا على خدمات غوغل دون مقابل. هناك بالتأكيد متسع من الفرص لاستثمار معلومات المستخدمين لدعم أنشطة التسويق والإعلان، لكن ضمن حدود يجب أن تبقى واضحة ومحددة. إذ من السهل على الشركات التي تمتلك القدرة التقنية على تعقب تحركات المستخدمين لشبكة الإنترنت أو الهواتف الجوالة أن تفرط في استغلال معلوماتهم الشخصية بصورة تتحول معها الأنشطة الترويجية إلى انتهاك لحق المستخدم في الخصوصية والحرية. ومن أمثلة ذلك التقارير التي أكدت أن هاتف آيفون الذائع الصيت من شركة أبل يحتفظ بسجل عن جميع تحركات مستخدم الهاتف لفترة زمنية تصل إلى عام كامل في ملف خاص يمكن من خلاله رسم خريطة تفصيلية لهذه التحركات دون علم المستخدم، مما اضطر الشركة بعد نشر هذه التقارير إلى تعديل أسلوب عمل هواتفها لمعالجة هذه المسألة. ما المعيار الذي يمكن استخدامه إذًا لرسم حدود الخصوصية الشخصية التي ينبغي احترامها من قبل الجميع؟ هناك أساليب عدة يمكن اعتمادها، لكن أنجعها على الأغلب يتمثل في منع القيام بأي أنشطة تستغل المعلومات الشخصية للمستخدم دون علمه. أي بعبارة أخرى يجب أن تحصل الشركة على الموافقة المسبقة من المستخدم قبل استثمار معلوماته الشخصية لأي سبب كان، وهو ما يمنحه حرية اتخاذ القرار وتحديد ما إذا كانت الميزات التي سيحصل عليها تستحق التنازل عن جزء من خصوصيته. لن يروق لي مثلاً أن أحتسي كوبًا من القهوة في مضافة المسافرين المميزين في مطار ما إذا كان ثمنه تنازلي عن حقي في حرية الحركة بعيدا عن "أعين" مخدمات تقفي الأثر في شركة الهاتف الجوال. ________________________
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةمحتويات مشابهة/قالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |