الرئيسية
الأخبار
|
المال والأعمال الوجه الآخر للأزمة المالية العالمية |
2012-11-07 12:05
شكلان مختلفان للأزمة المالية العالمية هناك شكلان مختلفان للأزمة المالية العالمية لا يزالان يعيثان فساداً في الاقتصادات الغربية، فيغذيان البطالة والفقر: الشكل الذي نقرأ عنه في الصحف عادة والذي تشترك فيه الحكومات في مختلف أنحاء العالم، وشكل آخر أقل وضوحاً على مستوى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والأسر. وإلى أن تتم معالجة الشكلين على النحو اللائق فإن الغرب سيظل مثقلاً بالعبء المتمثل في تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة بشكل مستمر والتفاوت المفرط في الدخول والثروات. الواقع أن أزمة الديون السيادية معروفة جيدا. وفي محاولة لتجنب الكساد المحتمل، بادرت الحكومات في مختلف أنحاء العالم إلى ضخ الحوافز المالية والنقدية في خضم الأزمة المالية العالمية، ونجحت في التعويض عن الاختلالات الاقتصادية السيئة الناجمة عن تقليص القطاع الخاص لمديونياته، لكن على حساب إرهاق موازناتها المالية والميزانيات العامة لبنوكها المركزية. محمد العريان: أي نهج شامل يرمي إلى إعادة الحيوية للنشاط الاقتصادي والمالي في الدول المتقدمة لا بد أن يستهدف إنعاش تدفقات الائتمان للقطاع الخاص بصورة لائقة وسليمة (رويترز) ورغم تدهور جودة الائتمان السيادي بالنسبة للجميع تقريبا، واستمرار هذه الحال في أغلب الظن، فإن العواقب سوف تتفاوت من دولة إلى أخرى. فبعض الدول الغربية، مثل اليونان، كانت تعاني من هشاشة الحسابات الحكومية منذ البداية، فمالت سريعاً إلى اتخاذ وضع الأزمة المزمنة. وتظل هذه الدول عاجزة عن إضاءة نهاية النفق المظلم الذي كان طويلاً على مواطنيها بالفعل. وكانت بعض الدول الأخرى تتحلى بالمسؤولية المالية، لكنها أغرِقَت بالتزامات تولتها عن جهات أخرى، فعلى سبيل المثال تسببت بنوك أيرلندا غير المسؤولة في إغراق موازناتها. وهناك دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، لم تواجه تهديداً مباشراً لكنها فشلت في إحراز أي تقدم فيما يتصل بالقضايا ذات التأثير البعيد الأمد. ونجح عدد قليل من الدول، مثل ألمانيا، في بناء قوة اقتصادية ومالية عميقة ومرنة عبر سنوات من الانضباط المالي والإصلاحات البنيوية. ومن غير المستغرب أيضا أن تتفاوت التوجهات السياسية. هذه التوجهات كانت تشترك في مظهر واحد، غير أنه مظهر مهم جدا لكنه مخيب للآمال، ألا وهو عدم القدرة على الاعتماد على النمو السريع باعتباره الوسيلة "الأكثر أمانا" لتقليص مديونية أي اقتصاد مثقل بالديون. فقد عجزت اليونان في الأساس عن الوفاء ببعض التزاماتها. واختارت أيرلندا التقشف والإصلاحات، كما فعلت المملكة المتحدة. وتعمل الولايات المتحدة تدريجياً على نقل الموارد من الدائنين إلى المدينين من خلال القمع المالي. أما ألمانيا فإنها خضعت ببطء لزيادة نسبية حصيفة في الطلب المحلي. هذه هي إذن أبعاد أزمة الديون السيادية، التي حظيت بتغطية جيدة بشكل خاص نظراً لتأثيراتها الوطنية، والإقليمية والعالمية. فالدول ذات السيادة يطلق عليها هذا الوصف على أية حال لأنها تمتلك سلطة فرض الضرائب، والتشريعات، وفي بعض الحالات المتطرفة المصادرة. الأزمة الائتمانية الأخرى لكن هناك أزمة ائتمانية أخرى لا تقل عواقبها عن الأولى أهمية، ولكنها تحظى بقدر أقل كثيراً من الاهتمام، رغم أنها تعمل على تآكل سلامة المجتمعات والقدرات الإنتاجية، فضلاً عن القدرة على الحفاظ على مستويات المعيشة بخاصة لأولئك الأقل حظا. " تشكل القيود الائتمانية أحد الأسباب التي تجعل معدلات البطالة تستمر في الارتفاع في العديد من الدول " وأنا لا أعرف إلا قِلة قليلة من الدول الغربية التي لم تشهد الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم فيها، فضلاً عن الأسر المتوسطة الدخل والأسر ذات الموارد القليلة، ضعفا كبيراً في القدرة على الوصول إلى الائتمان، ليس فقط الوصول إلى تمويلات جديدة، بل أيضاً القدرة على تجديد خطوط الائتمان والديون القديمة. والأسباب المباشرة وراء هذا معروفة حق المعرفة. فهي تتراوح بين الإقراض المصرفي المكبوح إلى النفور من المجازفة بدرجة غير عادية، والأدوات الائتمانية التي فقدت مصداقيتها إلى انسحاب بعض المؤسسات من الوساطة الائتمانية بالكامل. وتشكل هذه القيود الائتمانية أحد الأسباب التي تجعل معدلات البطالة تستمر في الارتفاع في العديد من الدول، غالبا، من مستويات مثيرة للقلق في الأصل، مثل معدل 25% في اليونان وإسبانيا (حيث معدل البطالة بين الشباب أعلى من 50%)، وأحد الأسباب التي تبقي على معدلات البطالة مرتفعة نسبيا في دول مثل الولايات المتحدة. إن ارتفاع معدل البطالة لا يعتبر مسألة هدر للقدرات وسببا في زيادة مستويات الفقر فحسب، بل إن البطالة المرتفعة بشكل مستمر تؤدي أيضاً إلى اضطرابات اجتماعية، وتؤدي إلى تآكل الثقة في الزعماء السياسيين والمؤسسات السياسية، وتهدد بزيادة خطر ضياع جيل كامل. الواقع أن البيانات الخاصة بالبطالة في العديد من الدول المتقدمة تهيمن عليها البطالة الطويلة الأجل (ستة أشهر أو أكثر عادة). ويتحول تآكل المهارات إلى مشكلة بالنسبة لهؤلاء الذين يتمتعون بخبرات سابقة في العمل، في حين يوشك من يفشل في الحصول على عمل لأول مرة أن يصبح ليس فقط عاطلا عن العمل، بل قد يتحول إلى شخص لا يصلح للعمل. إن الحكومات لا تبذل إلا القليل جدا من الجهد في معالجة كارثة الائتمان في القطاع الخاص. إذ يتعين عليها أن تعمل أولاً على المسائل المتعلقة بالجانب السيادي من الأزمة، لكن من غير الواضح ما إذا كان أغلب المسؤولين يعملون وفقاً لخطة شاملة. غياب التنسيق بين السياسات.. المشكلة الأكبر ويمثل غياب التنسيق بين السياسات المشكلة الأكبر بالنسبة للدول الأشد تأثراً بأزمة الديون السيادية. وهنا ترك القطاع الخاص ليتدبر أمره بنفسه، في حين تكافح أغلب الأسر والشركات في خضم الأزمة، مما يغذي استمرار الاضطراب الاقتصادي من الداخل. ويبدو أن دولاً أخرى تبنت نهج "حقل الأحلام" -الذي يعرفه البعض أيضاً بعبارة "عليك أنت بالبناء وسوف يأتون إليك لاحقا"- في التعامل مع أسواق الائتمان الخاصة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من المفترض أن تعمل أسعار الفائدة على قروض الإسكان، والمنخفضة بشكل مصطنع والناتجة عن السياسة التي ينفذها مجلس الاحتياطي الاتحادي أو البنك المركزي، على إعطاء دفعة قوية للتمويل. كما يتخذ البنك المركزي الأوروبي الآن نهجاً غير مباشر على نحو مماثل. " الحكومات لا تبذل إلا القليل جدا من الجهد في معالجة كارثة الائتمان في القطاع الخاص " وفي الحالتين، تبدو الكيانات الأخرى القادرة على اتخاذ القرار عن طريق الاستعانة بأدوات أفضل لديها إما غير راغبة وإما غير قادرة على الاضطلاع بدورها. وعليه فإن التحرك من جانب البنوك المركزية سوف يفشل مراراً وتكراراً في اكتساب الثِقَل المطلوب. الواقع أن المملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة التي اختارت بوضوح طريقاً مباشرا وأفضل تنسيقاً في مواجهة القصور المستمر المتعلق بالقطاع الخاص من الأزمة الائتمانية. وهنا، فإن "تمويل خطة الإقراض"، وهو البرنامج الذي اشترك في أعداده بنك إنجلترا ووزارة الخزانة، يسعى إلى "تعزيز الحوافز لدى البنوك وجمعيات البناء لتقديم القروض للأسر والشركات التي لا تعمل في القطاع المالي في المملكة المتحدة"، في حين يحملها المسؤولية عن تصرفاتها. ولا شك أن مثال المملكة المتحدة مهم. لكن نظراً لحجم ونطاق التحديات فإن الاقتراح يُعدّ متواضعاً نسبيا. فقد يعمل البرنامج على تحفيز بعض الوساطة الائتمانية المنتجة لكنه لن يؤثر بصورة كبيرة على إحدى المعوقات الرئيسية أمام التعافي الاقتصادي القوي. إن الوصول اللائق إلى الائتمان لتمويل قطاعات إنتاجية يشكل جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد القادر على أداء وظيفته بشكل جيد. وفي غيابه يتعثر النمو، ويصبح خلق الوظائف غير كاف، وتعمل فجوة التفاوت المتسعة بين الدخول والثروات على تقويض النسيج الاجتماعي. ولهذا السب فإن أي نهج شامل يرمي إلى إعادة الحيوية إلى النشاط الاقتصادي والمالي في الدول المتقدمة لابد أن يستهدف إنعاش تدفقات الائتمان إلى القطاع الخاص بصورة لائقة وسليمة.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةمحتويات مشابهة/قالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |