2012-08-01 01:24
الكاتب:محمد السيد عبد الرازق
تكلمنا في المرة السابقة أخي الداعية في تحضير الخطبة على البحث في القرآن والسنة الصحيحة والكتب والمقالات التي تتكلم عن موضوع خطبتك, وأخيرا شروح الأحاديث, ونكمل اليوم بإذن الله باقي خطوات صناعة الملف وإضافة المدعمات التي تضفي مزيدًا من الرونق والبريق على خطبتك.
5- البحث عن الأقوال المأثورة والحكم:
وهي من المدعمات الأساسية لحديثك، لذا؛ ابحث في كتب السلف وكتب المعاصرين؛ لتستخرج منها حكمهم وعبرهم، وليكن أول ما تبحث عنه هو عبارات وكلمات السلف الصالح، وعلى رأسهم صحابة رسول الله r، فإنهم كما يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود t: (من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد r، كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه ...) [جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر].
ومع الصحابة ابحث عن أقوال رجال السلف من القرنين الثاني والثالث الهجري، ليكتمل جمعك للمعلومات من رجال السلف الصالحين، الذين ورد فيهم حديث رسول الله r: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) [رواه البخاري]، ثم ابحث في آثار علماء الإٍسلام وقادتهم على مر العصور والأزمان إلى يومنا هذا.
6- البحث عن الأمثلة:
التمثيل هو تشبيه شيء بشيء لوجود عناصر التشابه بينهما، وهو وسيلة يتوصل بها المتكلم إلى تقرير ما يريده من المعاني في نفوس المخاطبين، وتقريبها إلى عقولهم، واكتساب ثقتهم فيه، وقناعتهم بما يلقيه عليهم.
والمطالع لكتاب الله سبحانه وتعالى سيجد كثيرًا من الأمثال ضربها الله سبحانه وتعالى في كتابه لتقرير حقائق الإيمان في النفوس، وتحقيق الاتعاظ والاعتبار بل قد أمر نبيه r بضرب الأمثال لما لها من تأثير قوي في النفوس، قال تعالى في كتابه: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 25]
وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]
(وهناك عدة أنواع للأمثال من الممكن البحث عنها لاستخدامها وهي:
1- ما يجري على ألسنة الناس، ويشيع في أحاديثهم، كالأمثال العربيَّة.
نحو: (إن كنت ريحًا فقد لاقيت إعصارًا)، يقال للقويِّ إذا واجه من هو أقوى منه في صراع ونحوه.
ونحو: (أَحَشَفًا وسوء كِيَلة)، يقال لمن يجمع سوءين في وقت واحد.
ونحو: (قبل الرَّمْي يُراش السهم)، يضرب للاستعداد للأمر قبل حدوثه) [خصائص الخطبة والخطيب، نذير مكتبي]
2- القصص الرمزيَّة التي تكون الغاية من وَضْعها الاعتبار فقط.
ومن أطرف الأمثلة على ذلك تلك القصة التي قصها الشيخ كشك رحمه الله في إحدى خطبه: أن جحا وهو ذاهب إلى السوق ليشتري طعامًا سئل: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال: سأشتري طعامًا من السوق، ونسي أن يقول: إن شاء الله، فلما ذهب إلى السوق؛ سرقت حافظته التي كان فيها نقوده؛ فلم يشتر شيئًا، فسئل عن ذلك، وما سبب عدم شرائه طعامًا من السوق فقال: لأن المحفظة سرقت إن شاء الله.
6- البحث في القصص:
لا شك أن القصة واحدة من أهم معابر توصيل الأفكار والمفاهيم إلى الآخرين، لما فيها من قدرة على تأجيج العواطف والمشاعر وإغناء الأخيلة والخواطر، ولما تمتلكه من عوامل السيطرة على القلوب والعقول.
(ومن الممكن أن نحصر موارد الاستشهاد بالقصة في أربعة موارد فقط هي:
1- القرآن الكريم:
وهو من أصفى موارد القصة التربوية الجادة المستمدة من نطاق الحقيقة الواقعة بلا تغيير ولا تزويق ـ زيادة أو نقصًا ـ في أحداثها أو شخصياتها، فالقرآن يعرض القصة كما وقعت بغاية الصدق ومنتهى الدقة، وينقل وقائعها بصورتها الحقيقية الحيَّة.
2- الحديث النبوي الشريف:
وهو يحتلُّ المركز الثاني بعد القرآن الكريم في كونه أصفي موارد القصة الجادة الصادقة، التي تنقل الحقيقة الواقعة بمنتهى الصدق والأمانة، وبغاية الدقّة والوضوح.
3- التاريخ:
وهو من أغزر موارد القصة و أوسعها نطاقًا؛ لأنه يتجمع في جعْبته مختلف وقائع الدهر وأحداث الزمان، وما يكتنف حياة الناس من تطوُرات واضطرابات، وما يعتريهم من أفراح وأتراح، ومسرَّات وأسواء، وسمو وارتكاس، في صفوف خاصَّتهم وعامَّتهم، وعظمائهم وسُوقتهم، في مختلف الأمصار وشتَّى الأعصار، وما يحقِّقونه من انتصارات ويصابون به من هزائم وانحسارات.
ومن أهم واجبات الخطيب حين يستقي القصِّة من مورد التاريخ أن يتأكد من حدوثها، ويتثبت من صدقها، ويلجأ في سبيل ذلك إلى المصادر التاريخية الموثوقة، التي تمتع مؤرخها بالصدق والأمانة والتجرد والنزاهة.
4- وقائع الحياة المعاصرة:
لا ريب في أن الحياة المعاصرة وما يجري فيها من أمور وأحداث تعد مصدرًا ثريًا من مصادر القصة الواقعية، وموردًا غزيرًا من مواردها؛ لأن أحداثها تنبُع من أجواء الحياة اليومية الواقعية القريبة من الناس المخاطبين بها، فيكونون لذلك أكثر تفاعلًا معها، وأشدَّ تأثرًا بها، إذ تنقل إليهم صورة واقعِهم المحسوس القريب منهم أو الملتصق بهم بأخلاقه وأفكاره وتصوراته واتجاهاته وبيئته وزمانه [خصائص الخطبة والخطيب، نذير مكتبي]
هذا، ومن أشد القصص تأثيرًا في الناس هي قصصك الشخصية؛ إذ يرى الناس فيها صاحب التجربة نفسه، بلحمه ودمه، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون المتحدث والجمهور في قمة التأثر والتفاعل مع هذه القصة، كما أنها أقرب إلى أن يصدقها الناس؛ لأن صاحب القصة يحكيها أمامهم، هذا إلى جانب شعور الناس أنها ممكنة التحقيق، مما يجعلهم أبعد عن اختلاق الأعذار وأقرب للاستجابة.
وهناك كتب مخصوصة عن السلف تحكي قصصهم وحياتهم ومواقفهم الشهيرة مثل: كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي، وكتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، وقد ظهر مختصر له يسمى تحفة العلماء بتهذيب سير أعلام النبلاء، وهو يجمع كل القصص والمواقف المتعلقة بموضوع معين في باب واحد، فمثلًا باب التقوى، يجمع لك جميع القصص والأقوال المتعلقة بالتقوى، وفي باب الخوف يجمع لك جميع القصص والأقوال المتعلقة بالخوف ... وهكذا.
واحرص دائما على انتقاء الصحيح من القصص ولا تكن كذلك الخطيب (الذي ذكر قصة طويلة في خطبته وأقام عليها حديثه كله, ثم عندما أراد أن يسندها ويفصح عن مرجعها, ختم كلامه عليها بقوله: ذكرها الإمام ابن الجوزي في الموضوعات) [لقاء الجماهير, أكرم رضا]
7- الشعر:
(إن من الشعر حكمة) [رواه البخاري]، هكذا يقول رسول الله r، والشعر بما فيه زيادة لحن على الصوت، يكون قوي التاثير في النفس البشرية، والإنسان ربما (يسمع المعنى نثرًا، فلا يهز له عطفًا، ولا يهيج له طربًا، فإذا حُوِّل نظمًا، فرَّح الحزين، وحرَّك الرزين، وقرَّب من الأمل البعيد) [المنطلق، محمد أحمد الراشد].
ولتأخذ من الأبيات ما كان موافقا لشرع الله تعالى حتى وإن كان قائله ليس بالتقي الصالح (فكثير من الأبيات الشعرية ذات المضمون الجاد يحتكرها أناس إلى الهزل أقرب منهم للجد, ولها في القلب رنين, فلماذا لا نستغل هذه الأبيات التي يحفظها الناس ونحن نخاطبهم على المنابر؟ فالأبيات ملك للغة وليست ملكًا للفسق يتملك بها الغرائز) [الخطابة في موكب الدعوة, محمود محمد عمارة]
8- الكتب الغربية:
قيل قديما أن الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها، ولذا؛ فقد تجد من المعلومات والأفكار في الكتب الغربية ما يساعدك على توضيح فكرتك أكثر وأكثر لجماهيرك.
ولذا فمن الجيد أن تبحث في هذه الكتب، وتستخرج منها ما يناسبك من معلومات.
فمثلًا: إذا كنت تريد الاستشهاد بأنه حتى العقلاء من أهل الأديان الأخرى اعترفوا بفضل محمد r؛ فتأتي بهذا القول: يقول مونته في كتابه (محمد والقرآن):
(أما محمد، فكان كريم الأخلاق، حسن العِشْرة، عذب الحديث، صحيح الحُكْم، صادق اللَّفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحَّة الحُكم، وصراحة اللَّفظ، والاقتناع التام بما يعمله ويقوله.
إن طبيعة محمد الدينيَّة تدهش كل باحث مدقِّق نزيه المقصد بما يتجلَّى فيها من شدة الإخلاص، فقد كان محمد مصلحًا دينيًا ذا عقيدة راسخة، ولم يقم إلا بعد أن تأمَّل كثيرًا، وبلغ سنَّ الكمال بهاتيك الدعوة العظيمة، التي جعلته من أسطع أنوار الإنسانية في الدين) [محمد والقرآن, إدوارد مونتيه].
ومن أمثلة أقوال أهل الغرب التي تقوي فكرة أهمية وجود الرغبة الداخلية لدى الإنسان: (نقطة الانطلاق لكل الإنجازات هي الرغبة، تَذكَّر ذلك دائمًا وباستمرار، الرغبات الضعيفة تجلب نتائج ضعيفة، تمامًا كما أن قدرًا صغيرًا من النيران لا يصنع قدرًا كبيرًا من الحرارة)[أفضل ما قيل عن أفضل ما في النجاح، كاثرين كارفيلاس].
ولكن يشترط في الأخذ من أقوالهم:
1-ألا يكون فيها ما يخالف الكتاب والسنة.
2-ألا تكون مقدمة على الكتاب والسنة، بل تأتي بعدها كمعضد لها.
ألا تكون هي الأساس الذي يُعتمد عليه، بل تأتي كمدعم لأفكارك المبنية على الكتاب والسنة والشرع، لا كأساس لها.
رتب المعلومات:
بعد أن صنعت ملف الخطبة الذي يجمع جميع المعلومات التي تحتاجها عن الدرس؛ قم بترتيب المعلومات وتبويبها تحت عناصرها.
فمثلًا: اجمع جميع المعلومات التي تتعلق بما كان عليه المسلمون الأوائل من عز وتمكين ومَنْعة تحت عنصر: (أيام عزة الإسلام)، وضع جميع المعلومات التي تخص واقع المسلمين المحزن اليوم تحت عنصر: (واقع أليم مر).
وهكذا أصبح لديك الآن ملف كامل مرتب لجميع المعلومات المتعلقة بالخطبة أو الدرس مما يؤهلك لدخول المرحلة التالية, فتابع معنا أيها الخطيب الهمام.
المصادر:
جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر
خصائص الخطبة والخطيب، نذير مكتبي
المنطلق، محمد أحمد الراشد
الخطابة في موكب الدعوة, محمود محمد عمارة
أفضل ما قيل عن أفضل ما في النجاح، كاثرين كارفيلاس
لقاء الجماهير, د.أكرم رضا
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهة
الاكثر تفاعلاً
الافضل تقييماً
الاكثر مشاهدةً
الاكثر ترشيحاً
الافضل تقييماً/ق
الاكثر مشاهدةً/ق
الاكثر ترشيحاً/ق
|
الرئيسية
الصور
البطاقات
الأخبار
المقالات
الصوتيات
مدعمات الخطبة الناجحة
0 | 
0 | 
921 
