الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
رسائل للشباب مخاوف المراهقة ... أسباب وحلول (2) |
2012-08-01 01:44
في زاوية من جدران الطابق الأول من مبنى جامعته، وقف ياسر وحيدًا يقلب في أوراقه ويقضم أظفاره، في توتر واضح، وكان دوره قد اقترب ليخطو هو ومجموعة من أصدقائه إلى باب حجرة كُتب في وسط بابها (مجموعة (ب) الاختبارات الشفوية)، لكي يجتازوا الاختبارات الشفوية، قبيل نهاية العام، أما أصدقاؤه فصيحاتهم تعلو بالضحكات، وتبادل الكلمات.وما أن نادى العامل على اسمه وأسماء رفاقه، وإذ بضربات قلب ياسر تتدافع، وخطواته تتثاقل، حتى دخل إلى غرفة الاختبار، وألقى بنفسه على أحد الكراسي المعدة للطلبة أما أساتذتهم، وبدأت حلقة من الأسئلة تدور على أصدقائه، وما أن وجه إليه أحد الأساتذه سؤال، إذا بياسر يشعر بريقه قد جف، وحينما بدأ الكلام بدأ التلعثم، وبدا الكلام متقطعًا. بدأ يشعر بمغص يزحف إلى بطنه، وبحالة من عدم التركيز، وتشتت الأفكار. بدأت أطرافه ترتجف، عضلاته تُشد. ماذا حدث؟ (ضاعت درجة السؤال)، وخرج ياسر من مكان الاختبار يتنفس الصعداء، ولم يكن يشغل باله درجة السؤال, ولكن ما شغل باله، هو سؤال صديقه حامد له وهو يبتسم متعجبًا: ياسر هل كنت خائفًا؟! ياسر: أنا!! لا لا. أخي في الله.. أن يفكر الشاب بطريقة صحيحة، ويحسن التخطيط لمستقبله الوضاء, أن يكون في وضع اقتصادي واجتماعي جيد, أن يبني العلاقات الاجتماعية ولا يرهب الحوار, كلها مطالب مشروعة، لكن ما تلبث هذه الأمنيات الغاليات إلا أن تتحطم، إذا اصطدمت بصخرة المخاوف؛ لذلك كانت حاجة المراهق إلى الأمن والاطمئنان، والشعور بالاستقرار حاجة ملحة في طريق تكوينه، وبناء متطلباته ورغابته العالية، وما هذا الموقف الذي ذكرته لك في بداية الكلام إلا حالة من الخوف، وعدم الاستقرار. المخاوف السليبة من جديد وكنا قد تكلمنا في مقالة سابقة عن بعض هذه المخاوف, ونكملها اليوم بإذن الله تعالى: 1- التخوف والتردد حول الأهداف الكلية والبعيدة للحياة. وذلك ينتاب المراهق أحيانًا، أتدرون لماذا يا شباب، (ذلك نظرًا لما يتمتع به المراهق من قدرة عقلية على إدراك الكليات والمجردات، والخروج من أسر التفكير المادي المحدود الذي كان عليه في المراحل السابقة إلى التفكير المنطقي الفسيح، إن تساؤلات المراهقين حول الكون والإنسان والحياة، وتفكيرهم في ذلك؛ أمر طبيعي في هذه المرحلة الانتقالية) [المراهقون، دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي]. ولربما تدور حوارات وسجالات داخل نفس المراهق، كذلك الفتى الذي يسبح في خلوته مفكرًا: (في البيت أنا آكل وأشرب وأنام وألبس... مثلي مثل إخواني الصغار، أعيش بنفس الطريقة!! لكن هؤلاء صغار ضعاف مساكين لا حول لهم ولا قوة!! همهم بطونهم وأجسامهم، يأكلون الحلوى، ويشربون العصير ولا يفكرون... لكن أنا أختلف عنهم... ). 2- التخوف في مواقف الحوار والمواقف الاجتماعية. وأما هذا التخوف، فهو أمر يشيع في هذه المرحلة، بسبب رهافة شعور المراهق، وقلة التجربة والخبرة، خصوصًا في أوساط بعض الأسر التي تلجأ إلى احتقار الفرد في مرحلة الطفولة، وتمارس عزلة عن مجتمع الكبار، فنرى المراهقين يشعرون بكثير من التردد والاضطراب، في كثير من المواقف الاجتماعية والمناسبات، وفي مواقف الحوار والمواجهة، وقد تظهر عليهم علامات التعثر في الكلام، والمحادثة، أو علامات الخوف من الموقف؛ كاحمرار الوجه، وتصبب العرق، أو رفض المواجهة. 3- التخوف من الحالات العاطفية والانفعالية. وهذا التخوف ينتج من التغير العضوي (الجسدي) والعقلي، الذي يصاحبه تغير في مشاعر المراهق ول الرجولة، وحول النظرة الاجتماعية، وموقف الأسرة والأقارب منه كرجل، (فالتحولات في الأعضاء والغدد التناسلية، وأحلام اليقظة التي تدور حول الجنس الآخر، والتفكير في الزواج، ووجود البيئة المكتظة بمغريات الغريزة الجنسية، وبمثيرات الغريزة العاطفية، تؤدي في أحيان كثيرة إلى الانحراف الجنسي، أو إلى فقد التماسك العصبي والعاطفي) [المراهقون، دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي]. ولعل أقل ما يواجه المراهق بسبب ذلك؛ الانشغال النفسي والفكري بمشاعره وأحاسيسه، وإضاعة الوقت والطاقة، بلا فائدة، وكأنه نوع من إحراق الطاقة بلا عائد، ويقرر النفسيون أن هذه الفترة من بين سائر الفترات (المراهقة) تتأثر تأثرًا بالغًا بالإغراءات والدعايات، وأن الانسياق العاطفي يغلب عليها، فيجب أن نكون منها على حذر. روعة الآباء.. تكمن في الوفاق هي روعة تعلو وتتألق نضرة وجمالًا، وتسيل حبًا ووفاقًا تلك الحالة من الصداقة التي يبنيها الآباء المربون على خلفية فهم دقيق بالمرحلة (المراهقة)، كما اتفقنا من قبل على أهمية، استيعاب المربين الفضلاء من الآباء والأمهات لمرحلة المراهقة ومشكلاتها، لكي يزينوا بفهمهم تربيتهم لأبنائهم، وأهم ما نوجهه للمربين هنا تلك الرسالة العاجلة، أن ابنوا بينكم وبين أبنائكم جسرًا من الحب والصداقة، يبنى عليه الأمان والاستقرار والاطمئنان، وتزول عنه مخاوف أبنائكم في مرحلتهم الخطيرة فكما تعلمون أن: (وقوف الآباء بجانب أبنائهم في سن المراهقة أمر ضروري جدًا، والمقصود بهذا الوقوف هو التقرب منهم ومحاورتهم ومناقشتهم ومحاولة التعرف إلى مشاكلهم وهمومهم، والعمل على تخليصهم منها، وإن كانت في وجهة نظره ليست بالكبيرة) [الآباء ودورهم تجاه أبنائهم المراهقين، جوهرة العمار، بتصرف]. وحينما يتم الحوار، ويعيش الأبناء معكم جوًّا من الأمن، وتتوطد أواصر الصداقة بينكم، تنشأ بينكم حالة من الثقة (ويا له من شيء رائع، حين يثق فيك بنوك، ويأتونك بمخاوفهم، بهذه الثقة تستطيع أن تساعد مراهقيك على التغلب على مخاوفهم، والتعلم منها وتجاوزها) [كيف تقولها للمراهقين، ريتشارد هيمان]. فهيا بادروا إلى أبنائكم ضموهم إليكم، أشعروهم بصحبتكم لهم ومحبتكم، والله معكم، لا تملوا تسألوه أن يعينكم على إخراج رجال يعلمون من الحياة غايتها، ويحملون المسئولية، ويتلذذون بنعمة الطمأنينة النفسية، وتتشبع لديهم الحاجة إلى الأمن (تلك الحاجة الفطرية)، وحينها نعم ما فعلتم، وحُفظ لكم عند بارئكم ما صنعتم، وهذه خطوات عملية تحمل إليكم فاتبعوها، لعل الأمن والأمان يظللان على أبنائكم، ويغمران حياتهم: 1- ممارسة القراءة والاطلاع على ما كتب حول مرحلة المراهقة ومشكلاتها، بالإضافة للاستفادة من تجارب الغير، والتي مررتم بها أنتم في الحياة. 2- يجب أن نعلم أن الاهتمام ببناء شخصية الطفل منذ البداية، وتنمية الميول والاتجاهات لديه؛ يساهم بشكل كبير في الحدِّ من مشكلات المراهقة. 3- وحول تخوف الشباب الذي يدور حول الأهداف الكلية للحياة؛ يمكن للمربين أن يطمئنوا المراهقين، وأن يستثمروا الاستعدادات النفسية والعقلية؛ لتزويدهم بالقضايا الكلية، والأهداف البعيدة للكون والحياة والإنسان. 4- أما عن التخوف من مواقف الحوار والمواقف الاجتماعية؛ فلابد من تقويم لعملية التربية الخاطئة، والتي في الغالب تكون اللاعب الأكبر والسبب الرئيس لحدوث ذلك، فيجب على المربين: أ. أن يتجنبوا احتقار الفرد في الأسرة في مرحلة الطفولة، وألا يمارسوا معه نوعًا من العزلة الكلية عن المجتمع الكبار، بدعوى الصغر، بل يجب أن يحتك بالكبار دون إفراط أو تفريط. ب.وأعظم ما يمكن للآباء الفضلاء أن يفعلونه حيال تلك المشكلة، مع أبنائهم أن يدربوا أبناءهم المراهقين على الحوار والمناقشة، وتبادل الآراء معهم، وتعويدهم على عرض وجهات نظرهم. ت.كما يحبذ تشجيع الآباء أبناءهم على المشاركة والمبادأة، في المواقف المختلفة والمناسباب الاجتماعية، بما لا يتعارض مع الآداب الإسلامية، من احترام الكبار، والاستئذان، ونحو ذلك. 5- ومما ينبغي مراعاته تلافي المواجهة مع الشباب في مرحلة المراهقة، بل يجب أن يقادوا عبر الإقناع، والحوار، والمناقشة الحرة، والحوار البناء هو الأسلوب الأمثل في بناء العلاقات بين المراهقين والكبار [مستفاد من: المراهقون، دراسة نفسية إسلامية، د. عبد العزيز النغيمشي]. همسة وهذه همسة قبل ذكر النقطة الأخيرة، لكنها خطيرة في غاية الخطورة، وهي تتعلق بما يصيب المراهق من تقلبات عاطفية وانفعالية: (المربي باستطاعته ـ أحيانًا ـ أن يحبس الفتى أو الفتاة عن بلوغ مراده؛ فيصده عن إشباع بعض عواطفه وشهواته، لكن ليس باستطاعته أن يستمر على ذلك، كما أنه ليس قادرًا على إيقاف التغير العضوي والنفسي الذي يعيشه المراهق، وليس قادرًا على فرض العزلة، وكتم أنفاسهم وتسفيه أحلامهم، كما أنه ليس من المجدي تعليم الحياء والتعويد عليه في غير محله، فلا يلبث أن يصبح حائلًا بين الشباب ومشاركتهم في المواقف والحالات) [المراهقون، دراسة نفسية إسلامية، د. عبد العزيز النغيمشي]، ومن ثَمَّ: 6- لابد للمربي من تربية المراهق على الصراحة والمكاشفة، ولابد من إشعاره بالمشاركة والمعاونة على أساس من تبادل التجربة واستخدام المحاكمة العقلية، ولابد من التربية على المصابرة والمجاهدة، كما يجب على المربي أن يوجه المراهق إلى الحصول على السكن النفسي الحقيقي وهو الزواج، هذا إضافة إلى ما يمكن أن يشتغل به المراهق من أعمال مهنية أو خيرية أو دعوية تحفظ طاقته وتوظفها. أخي المراهق.. حياتك الطيبة من جديد أخي المراهق لئن كنت قد تحدثت معك تحت هذا العنوان في اللقاء الأول، فاليوم نعاود الحديث، لأني أعلم منك رغبة أكيدة لعيش هذه الحياة، إنها الحياة الطيبة التي حكى عنها الله في كتابه قائلًا جل في علاه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، (إنها حياة الإيمان، والتي يجب أن تسعى لتحصيلها جاهدًا، فاحرص على أن تعلم معنى حب الله، والخوف من الله، والرجاء في الله) [شباب بلا مشاكل، أكرم رضا]، ولكي يجنبك الله بإذنه تلك الخاوف السالبة للأمن التي تحدثنا عنها سويًا، فعليك بهذه الأسباب: 1- البوصلة: اعلم أنك في مرحلتك تلك تتمتع بقدرة عقلية على إدراك الكليات والمجردات، وهذا ربما يولد بعض المخاوف لديك حول الأهداف الكلية للحياة ـ خاصة إذا تركت نفسك نهب الأفكار المستوردة أو الآراء الفجة التي تتلقاها من قنوات فضائية لا ترقب في الشباب إلَّا ولا ذمة، أو من صديق سوء دءوب في نشر الأفكار الضخمة الهدامة ـ إذًا فعليك بالبوصلة، بوصلة العقيدة التي تشير لك على الاتجاه والوجهة، من أين أتيت؟ وإلى أين تذهب؟ ففيها الإجابات الشافيات الكافيات، بإذن رب البريات. 2- أفضل مستقبل وربما تفكيرك يقودك في هذه المرحلة، إلى كثرة البحث في الغد، بما يسبب عندك فوبيا الغد، تقوم وتجلس على ذكرى الغد، وما يعده لك، فاحذر واعلم: (أن واحدًا من أكبر الأخطاء التي تقع فيها هي الافتراض بأن الغد سوف يكون أكثر أهمية من اليوم، ويا له من فرض سخيف، اليوم هو الواقع، إننا هنا اليوم، وهناك أشياء يمكننا القيام بها، إن من المطمئن دائمًا أن تعرف أنك تضمن أفضل مستقبل ممكن بتحقيق كل ما يمكن اليوم) [لا تهتم بصغائر الأمور، د. ريتشارد كارلسون]. 3- حان وقت التدريب أنت مدعو حبيبي في الله، في مرحلتك تلك، إلى أن تكون على نفسك بصيرًا، فأنت مطالب أن تجاهد نفسك، وأن تعودها على تحمل المواقف الانفعالية والتعقل في موجهتها، كمواقف الإثارة التي تحدث الغضب والتي قد تحملك ـ إن لم تتمالك نفسك ـ على المشاتمة والمضاربة، كذلك أن تعود نفسك على التماسك في مواقف الخوف من الأحداث والمصائب، وأخطر ما في الأمر أن تعود نفسك على ضبط عواطفك، وألا تقودك نحو ما حرم الله تبارك وتعالى، ولربما تقول: إن الشاب منا في هذه المرحلة عليه ضغوط، وكثير من الشباب، لا يستطيعون التحكم في عواطفهم، وأنا أعلم الكثير منهم. وأنا أقول لك نعم هناك من الشباب كما وصفت، ولكن حسبك أن يكونوا هم غيرك، أتدري لماذا؟ لأنك اخترت الحياة الطيبة الحياة الصالحة، فلا تنشغل بغيرك، واسلك طريقك، وانظر إلى الجهة الأخرى تجد آخرين غيرهم من إخوان الصلاح والإيمان، الزم طريقهم، ولا تعد عيناك عنهم، تفز في الدنيا قبل الآخرة. 4- الرفقة الصالحة إنها الجسر الذي يمدك بالإيمان، وتشعر عليه بالأمان، ولما لا وقد وصفهم عمر رضي الله عنه بأنهم: (زينة في الرخاء، عدة في البلاء)، يأخذون بيديك إلى الجنة، يفرحون لفرحك، ويحزنون لحزنك، يتفقدونك، يملئون مرحلتك بالإيمان، وحبذا إن انتقيت من بينهم من تثق به ـ وكلهم ثقات بإذن الله ـ وترتاح نفسك إليه، لتبثه همومك وشكواك. 5- عزز ثقتك بنفسك وهذا ما يجب أن تفعله أولًا، إذا كنت تتخوف من الحوار، أو المواقف الاجتماعية المختلفة، أن تعزز ثقتك بنفسك وقدراتك، ومما يمكن أن تفعله هنا، أن تذكر ما حققته من قبل من إنجازات، والمميزات التي تتمتع بها شخصيتك. وختامًا (اعلم أن الشيء الذي يجب أن نخافه، هو الخوف ذاته) [كيف تقولها للمراهقين، ريتشارد هيمان]. المصادر: 1. شباب بلا مشاكل، أكرم رضا. 2. الآباء ودورهم تجاه أبنائهم المراهقين، جوهرة العمار. 3. المراهقون، دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي. 4. لا تهتم بصغائر الأمور، د. ريتشارد كارلسون. 5. كيف تقولها للمراهقين، ريتشارد هيمان.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةمحتويات مشابهة/قالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |