الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
رسائل للشباب لماذا لا تقبلوني؟ |
2012-08-01 01:48
الكاتب: محمد السيد عبد الرازقحين اقتربت الساعة من العاشرة والنصف مساء كان والد باسم، يشتاط غيظًا، فابنه قد تأخر كثيرًا، فهو غادر البيت في الساعة السابعة مساء، ولم يرجع إلى الآن وقد اتصل على هاتفه مرات مديدة إلى أنه اكتشف مؤخرًا أن ابنه نسي الهاتف في غرفته، وبعد دقائق من ذلك المشهد، يصل باسم إلى البيت سالمًا، ويبدأ الحوار: باسم: (يدخل بيته ينظر يمنة ويسرة متمنيًا أن يجد أباه قد نام في سبات عميق) السلام عليكم يا والدي ما الذي أيقظك لهذا الوقت؟ الوالد: لا سلام ولا كلام، أين كنت إلى الآن، الساعة الآن العاشرة والنصف، ولد مثلك ينبغي أن يكون في بيته الثامنة. باسم: يا والدي، إنني كنت أذاكر مع صالح صديقي، وكان يشرح لي بعض المسائل التي لا أفهمها، وقد أخبرت أمي أني سأرجع في الحادية عشرة... الوالد: أولًا: من قال لك تذاكر مع صالح أو طالح، منذ متى ومن في سنك يذاكر مع أصدقائه، أنتم حقًا لا تعرفون مصلحتكم، ثم إنك تحتاج لمؤسسة تعليمية بمفردك حتى تفهم، وأظن أنك ستظل غبيًا. باسم: طأطأ رأسه منكسرًا، وهم بالذهاب إلى غرفته في ألم شديد، إذ انطبعت في ذهنه معاملة أبي صالح الرائعة لابنه، حتى تمنى ألو كان مكانه. الوالد: ولد، تعال هنا، أتتركني وأنا أحدثك أنت قليل الأدب، ومن اليوم لا خروج من البيت، وسأقطع عنك المصروف. إنها قصص واقعية كثيرة لجو لا يشعر فيه المراهقون بالقبول لأسباب كثيرة، أهمها تلك المعاملة الخاطئة من كثير من الآباء لأبنائهم، ولكن قبل الحديث عن المشكلة، نرجع إلى المرحلة (المراهقة). تلك مرحلتك التي تعيشها، وتمر بها، وعقارب الساعة تداهمك، فالعمر سرعان ما ينقضي، والمراحل بعد المراحل تطوى وتنتهي، وغايتك وغايتي، أن تمر مرحلتك تلك، غاية في الإيجابية، وقريبًا من المثالية، ولما لا وقد فعل كثير غيرك ذلك، والذكي الفتي من ينظر إلى الأعلى (إلى الناجحين البارعين من المراهقين)، وليس إلى الأسفل (إلى الشباب الذين ارتضوا لأنفسهم، عيشًا في اغتراب عن إيجابيات مرحلتهم واستغلالها، وسلبياتها ومحاولة تفاديها). أما أنت فالآمال عليك وعلى غيرك من الشباب الطموح منعقدة، ولما لا وقراءتك الآن عن مرحلتك دليل اهتمامك، فدونك وبناء مرحلتك، أنت من تبنيها، وتتخطى حواجزها، ربما تقول: أجد الكثير من الصعاب؛ أمٌّ لا تفهمني, وأبٌ في انشغال عني، وأصدقاء من حولي... إذا كان ذلك كذلك، فليس في ذلك ما يدعو إلى كثير ارتعاد، فالتعلل بالأسباب يبقيك محلك سر، أما محاولة الإصلاح وبناء مرحلتك بالجد والطموح الكفاح، فذلك دأب الرجال وتلك هي همم الشباب الأبطال. ولابد أن تعلم أن المراهقة (تعني معاني كثيرة، فهي تحول نحو النضج الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي، وهي المرحلة التي تسبق الرشد مباشرة، وتصل بالفرد إلى اكتمال النضج) [علم نفس النمو، سيد محمود الطواب]، ولأنك تمر في هذه المرحلة بتغيرات كثيرة، ربما تحمل لك بعض الإشكاليات، ومنها: · تغيرات شكلية: وتحمل معها بعض المشكلات، كظهور حب الشباب، وربما تنتشر في الوجه بشكل واسع وكبير، وتبدأ الظنون عند بعض الشباب أنها العقاب الذي يستحقه (لبعض الأفعال والأفكار الآثمة كالعادة السرية مثلًا)، ومن ضمن المشكلات تغير الصوت، (وبالرغم من أن التغير الصوتي يعتبر ظاهرة طبيعية تمامًا، إلا أنها قد تصبح مشكلة عندما تسبب الاضطرابات الاجتماعية) [علم نفس النمو، سيد محمود الطواب]، وأيضًا مشكلة الوزن والطول، وما ينتج عنه من إحراج لدى بعض الشباب، حينما يكونا بشكل خارج عن المؤلوف، ومن ذلك كله ينتج عند الشاب شعور ـ يكون في غالبية الأمر غير صحيح ـ بأن الناس لا يتقبلون شكله وهيأته. · تغيرات عاطفية: وأقصد هنا تلك المشاعر السلبية، التي يكتسبها المراهق، والتي تشعره بعدم القبول والرضا؛ جراء بعض المعاملات الخاطئة من الآباء والمربين، مما يعمل على إقامة السدود والحدود بين المراهق والأب مثلًا، ومن تلك المعاملات: (أن يعامل الأب ابنه المراهق كأنه مازال طفلًا صغيرًا، أو يشدد عليه تشديدًا، ويصب عليه من الأوامر والنواهي)، ما ينتج عنه شعور بعدم الرضا تجاه الآباء وعدم قبول أفكارهم ونصائحهم. · حفرة الاحتقار: وهي الحفرة بعيدة الأعماق والتي يلقي المراهق بنفسه في دوامتها، نتيجة شعوره، بأن والدية لا يتقبلاه، وأنهم دائمًا يحتقرونه ويسفهونه، وينعتونه بالفشل، فيشعر أنه غير مرغوب فيه، ومن ثم تبدأ مشاعر عدم القبول تدفن في نفس المراهق. من كل ذلك وغيره، كان يجب أن أبين لكم إخواني الشباب، وآبائي الفضلاء أن القبول يعد مطلبًا نفسيًا واجتماعيًا، لا يستغني عنه الإنسان؛ فالشاب في وسط بيئته الأسرية وكذلك الاجتماعية يسعى جاهدًا، للحصول على الرضا والمحبة والتقدير من الآخرين، ويكره أن يستهين به الآخرون، أو أن يحقروه، ويحسن بألم وضيق نفسي من جراء ذلك، ويسعى لتلافيه ما استطاع. أيها الآباء.. تقبلوا أبناءكم وهنا تقابلنا مشكلة نراها باستمرار، وهي أن المراهق بالرغم من انتقاله من مجتمع الطفولة إلى مجتمع الكبار يظل في كثير من الأوساط المحيطه به يحمل نفس السمعة القديمة، سمعة الأطفال، ومعاملة الطفولة، ويصعب على بعض الآباء والأمهات، وعلى بعض الراشدين والمربين الرقي بالطريقة التربوية عند معاملة المراهق والاحتكاك به، فتراهم مازالوا يباشرون الأوامر والنواهي عليه مباشرة، ويشددون عليه تشديدًا، بل وثالثة الأسافي أنهم يحتقرونه أحيانًا، وتسمع العبارات: (أنت مازلت صغيرًا، إياك أن تفعل، سترى إن لم تفعل، أنت لا تعلم مصلحتك). ومن هنا كان لزامًا علينا أن نعلم الآتي: (إن قبول المراهق عند الآخرين ركيزة أساسية لتقبله هو للآخرين، وأخذه بتوجيهاتهم؛ ولتحقيق القبول وإشعار المراهق به لابد من عنصرين أساسين: العنصر الأول: فهم المراهق فهمًا جيدًا، من حيث تكوينه الجسمي، وقدراته العقلية، والتحولات الوجدانية، والاجتماعية، والنفسية، وإشعار المراهق بأنه معروف ومفهوم لدى أبويه وأساتذته وموجهيه. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدرك نفسيات الشباب وصغار السن من صحابته وقدراتهم، ويفهمهم فهمًا يستطيع به أن يؤثر عليهم، حتى كان له من القبول والتقدير ما هو معروف عنه صلى الله عليه وسلم، فقد كان يخاطب على بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو صغير ويكلفه من المسئوليات ما يشعره بالقبول والقيمة عنده صلى الله عليه وسلم، وكذا تعامله مع مصعب بن عمير، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم أجمعين. العنصر الثاني: تقدير المراهق حسب ما تقتضيه مرحلته، فالاحترام والاعتبار ضروريان لإشعاره بالقبول، والمراهق يكره أن يكون منبوذًا أو مرفوضًا من أهله ومجتمعه، ولا يريد أن يعامل معاملة الأطفال لا وزن له ولا قيمة، فإذا تم تقديره واحترامه حسب مرحلته كان ذلك سببًا في إحساسه بالقبول والرضا، ومن ثم أثَّر بالإيجاب على سلوكه) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي]. إذًا ينبغي أن نتعلم: بداية: أن نربي أبناءنا على الاحترام المتبادل، وإنزال الناس منازلهم، مما يولد لديهم شعور بمكانتهم، ومن ثم القبول، وفي النهاية يتحول ذلك إلى سلوك، فنراهم يقدرون الآخر ويحترمون المعلمين، وينزلون الناس منازلهم، والمتأمل يرى أن المنهج الإسلامي يبني العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم. وهذا واضح البيان في سنة خير الأنام صلى الله عليه وسلم، حينما قال محذرًا: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره... بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) [رواه مسلم]. وإذا كان هذا بداية فيجب أن ننتبه نهاية: أن من الشرور التي تترتب على احتقار المراهق ـ في الأسر التي يسود فيها ذلك ـ أن ذلك يترك أثرًا نفسيًا وتربويًا كبيرًا على الطرفين؛ حيث يشعر الأول بالعجب والكبرياء، ويشعر المراهق بالدونية والامتهان، ومن ثم تكون الطامة، أتدرون ما هي؟ إنه الحاجز النفسي بين الطرفين فلا يمكن أن يؤثر الأول في الثاني بحال من الأحوال إذا كان المجال تربويًا كأن يكون ذلك بين الآباء والأبناء، أو بين الأمهات والبنات، أو بين المربين والطلاب (أليست هذه شكوى متكررة: لا أستطيع التفاهم مع ابني، لا يجلس ويحدثني، لا ينتصح بنصيحتي، ولا يأتمر بأمري)؛ إذًا فلنبحث عن الحاجز أولًا. ولذلك ظلت أصوات المربين في كل وقت وحين تنادي بأهمية تلبية حاجة المراهق إلى القبول، والتي تمثل عنصرًا مهمًا في حياة المراهق النفسية والتربوية يغفل عنها المربون في كثير من الأحيان. كيف أكون مقبولًا؟ تقبُّل الذات قبل النصائح والكلمات: (هذا أيها الشاب ما ينبغي عليك فعله بداية، وأعطيك مثال: املأ هذا الفراغ، (إنك لن تشعر بأنك لن تكون ذا قيمة وكذلك مقبولًا حتى .......) اختر النهاية المفضلة لديك لهذه الجملة: حتى يمدحك والدك، حتى يحبك أصدقاؤك، يحتاج إليك شخص ما، حتى تتزوج، حتى تكون جذابًا ومقبولًا لدى الآخرين. إن عليك في الحقيقة بأن تكون شخصًا ما لتكون جذابًا بأفعالك وأخلاقك، وعليك بأن تتقبل نفسك قبل أن يمكنك إرضاء من تهتم له، وإذا لم تكن كذلك، فتأكد تمامًا أنك لن تحظى بالقبول) [قوائم الحياة للمراهقين، باملا اسبلاند]. فر من الأوهام: تلك الأوهام التي تجعلك تشعر بأنك يجب أن تكون مقبولًا من الجميع، حتى تكون مقبولًا، وإذا ما شعرت بعدم القبول من أحد ما تبدأ الشكوك حول نفسك، بأنك غير مقبول، ومن ثم تظل تدور في تلك الأوهام، أن يرضى عنك الجميع ذلك وهم، وأن يكون الجميع في تقديرهم لك مصيبين فذلك أخو الوهم الأول، ومع تكرار تلك المواقف لربما (يسود لديك الشعور بنقصان كفاءتك الشخصية، وعدم قدرتك على التوافق الاجتماعي، فتقل ثقتك بنفسك) [عذرًا أنا مراهق، رضا المصري]، فثق بنفسك وقدراتك وعقلك، ولا تجعل منها ريشة في مهب الأقوال والاعتراضات التي ستقابلها كثيرًا، وأقصد التي تهدم منها ولا تبني. اضبط المفاهيم: ومن هذه المفاهيم، أن تعلم أن الشكل ليس هو العامل المؤثر في قبول الآخرين لك، بل إن الأرواح جنود مجندة، تميل إلى ما يحاكيها في الصفات والأخلاق، فرفعة أخلاقك وزكاء نفسك وطهرها وبشاشتك، تجعل منك شمسًا في ضحاها، وأقمارًا ركبت في دجاها، ولعلك لامست ذلك بنفسك بين أقرانك، وعليك قبل ذلك أن تعلم أن الله خلقك في أحسن تقويم، ومنحك ما أخذه من كثير من العالمين الذين حرمهم الله نعمًا ترفل أنت فيها وتتمتع بها. المصادر: علم نفس النمو سيد محمود الطواب. قوائم الحياة للمراهقين باملا اسبلاند. عذرًا أنا مراهق رضا المصري. المراهقون دراسة نفسية إسلامية د.عبد العزيز النغيمشي.
خدمات المحتوى
|
تقييم
الاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |