الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
رسائل للشباب صرخة من معذَّب |
2012-08-03 04:58
(بعد أن أنهيت الثانوية، جاءني أحد رفقاء السوء، فقال لي: يا فلان، أتحب السفر معنا؟ قلت: إلى أين؟ قال: إلى تلك البلاد، بلاد آسيوية، فيها المنكر والفساد جهارًا نهارًا بأبخس الأثمان، فقلت: كيف؟ قالوا: اطلب من أبيك المال وسافر معنا، والأمر بسيط، أيامًا معدودات ثم نرجع. قال: فجئت إلى أبي، فقلت: يا أبي، قد نجحت في الثانوية، وحصلت على التقدير العالي، وأريد مكافأة؟ قال: ماذا تريد؟ قال: أريد مالًا؛ لأذهب وأسافر مع أصحابي، فقال الأب: إلى أين؟ قال: إلى تلك البلاد، قال: لا بأس، فأعطاه المال، قال: فسافرت لأول مرة، فذهبنا إلى تلك البلاد. والغريب أنني رأيت شبابًا من أبناء بلادنا، دخلوا أماكن حمراء، أماكن مظلمة، أماكن فيها الفساد والشهوات، يفعلون الفواحش والمنكرات، فدخلت معهم، وفعلت ما لم أظن أنني أفعله في حياتي يومًا من الأيام، صنعت المنكرات، وفعلت الفواحش، وأتيت الشهوات. يقول: فتلذذت مرة بعد الأخرى، حتى رجعت إلى بلادي، فاشتقت إلى الرجوع، فأخذت من أبي مالًا مرة أخرى، وهكذا توالت الأسفار بعد الأسفار، حتى وقعت في وكر المخدرات، يقول: فلما نفذت الأموال، بدأت أسرق لأسافر إلى تلك البلاد، السفر صار في دمي، والمخدرات تجري في عروقي، ومرت الأيام والسنون. حتى جاء ذلك اليوم، أحسست بإعياء شديد، فسقطت على الفراش، فذهب بي أصحابي إلى الطبيب، وبعد التحاليل والفحوصات، جاءني الطبيب يفاجئني، وقال: يا فلان! إن الأمر صعب، قال: أخبرني يا طبيب، قال: بعد التحاليل اكتشفنا أنك مصاب بفيروس الإيدز. يقول: فكأن الدنيا قد أظلمت أمامي، أحلامي تبددت، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، أيها الطبيب، ربما أخطأتم! قال: سنعيد الكَرَّة، فأعادوا التحليل مرة أخرى، لكن النتيجة هي النتيجة، يقول: ذهبت إلى طبيب آخر، وإلى مستشفى آخر، ولكن النتيجة هي النتيجة، ثم رجعت إلى بلادي مسودُّ الوجه، قد أظلمت الدنيا أمامي، يقول: وأنا الآن أكتب إليكم قصتي، وأنا على فراش الموت، أنتظر الموت) [من محاضرة للشيخ نبيل العوضي، بعنوان: (قصص واقعية)]. النهاية المحتومة: هذه إحدى النهايات المأساوية التي جناها كثير من الشباب الطيبين، عندما تساهلوا في اختيار أصحابهم، وأدمنوا رفقة السوء، من شياطين الإنس الذين هم لإخوانهم من شياطين الجن ظهير. (وإن القلب ليحزن، والعين لتدمع، على هؤلاء الشباب المساكين، ممن كان ينتظرهم في الدنيا مستقبل باهر، وفي الآخرة مقعد السعادة في جنات عدن، إن ساروا في دنياهم على صراط الله المستقيم، لكنهم تنكَّبوا طريق السعادة في الدنيا والهناءة في الآخرة، بعدما أحرقهم لهب نافخي الكير من أصدقاء السوء، الذين لا همَّ لهم إلا إغراق الطيبين في مستنقع الرذيلة والفساد، وحمأة التعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة، عياذًا بالله من الخذلان. فلقد سار أبالسة الإنس على درب معلمهم الأكبر إبليس لعنه الله، الذي آلى على نفسه أن يغوي آدم وذريته، وأن يصحبهم في مصيره الأبدي إلى قعر جهنم، حسدًا منه لآدم عليه السلام، بعد أن كرَّمه الله تعالى وفضَّله، {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: 62]، {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: 82]) [يا صاحبي، محمد السيد عبد الرازق]. وهكذا أيضًا شياطين الإنس، فيعِزُّ عليهم أن يروا أمامهم من أكرمه الله تعالى بالنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة، فلا يستطيعون مقاومة ما يعتمل في صدورهم من حسد لكل شاب نظيف، فلا تكون راحتهم الوهمية إلا عندما يرونه قد غاص في مستنقع الوحل وحمأة الرذيلة، كما قال عثمان رضي الله عنه: (ودَّتِ الزانية لو زنى النساء كلهن) [مجموع فتاوى ابن تيمية، (28/151)]. لماذا حامل المسك؟ وهو سؤال معروف الإجابة، ولكن لأن الكثير من الشباب قد تعمى أبصارهم عن فضل حاملي المسك أسوق إليك أيها الحبيب بعضًا من فضائل مصاحبة الأخيار؛ لتدرك مدى احتياجك لمثل هؤلاء الأنقياء الأطهار. نعمة من الله: فالصديق الصالح نعمة من الله تعالى، امتن الله بها على عباده الصالحين أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أزال العداوة بين الأوس والخزرج في المدينة، بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. فإنها والله نعمة شعر بها من قبل جماعة من أصحاب إبراهيم بن أدهم، صحبوه في سفر ذات مرة، فكان يعمل بالنهار وينفق عليهم، ويجتمعون بالليل في موضعٍ وهُم صيام، فكان يُبطئ في الرجوع من العمل، فقالوا ليلة: (تعالوا نأكل فطورنا دونه؛ حتى يعود بعد هذا أسرع، فأفطروا وناموا). فلما رجع إبراهيم وجدهم نيامًا، فقال: (مساكين! لعلهم لم يكن لهم طعام)، فعمد إلى شيء من الدقيق كان هناك، فعجنه، وأوقد على النار، وطرح الملة [أي الجمر] فانتبهوا وهو ينفخ في النار، واضعًا محاسنه على التراب، فقالوا له في ذلك، فقال: (قلتُ لعلكم لم تجدوا فطورًا فنمتم، فأحببت أن تستيقظوا والملة قد أدركت)، فقال بعضهم لبعض: (انظروا ما الذي عملنا، وما الذي به يعاملنا) [الرسالة القشيرية، القشيري، (1/137)]. على دين صاحبك: فالطيور على أشكالها تقع، هكذا قال أجدادنا الأوائل، ومن أراد أن يكون من الصالحين المقبولين فعليه بصحبة أهل الخير والصلاح، فهم خير عون له على ذلك، وعلى قدر دينهم سيكون دينه كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) [حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (4833)]. فكم من أناس يُعرَفون بالصلاح، وتنتشر سيرتهم العطرة في كل مكان بسبب أصحابهم من حاملي المسك. واصبر نفسك: ولعِظَم هذه العلاقة بين الأصدقاء وخطورتها على العبد أوصى ربنا تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بملازمة الصالحين من عباده، الذاكرين له في كل وقت وحين؛ قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[الكهف: 28]، وهذه الآية (فيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم وإن كانوا فقراء، فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يُحصى) [تفسير السعدي، (1/475)]. فإذا ظفرتَ بذي الوفــــــاء فـحُطَّ رحـــــلك في رحابه فأخوك مَن إن غـاب عنـك رعــــــــــى ودادك في غيابه وإذا أصـابك ما يســــــــوءُ رأى مــصـابك من مصابه وتراه يَفجَعُ إن شكــــــوتَ كأن ما بـك بعـــــض ما به كان عبد الله بن المبارك إذا عزم على الحج يقول لأصحابه: من عزم منكم في هذا العام على الحج فليأتني بنفقته حتى أكون أنا أنفق عليه، فيأخذ منهم نفقاتهم، ويكتب على كل صُرَّة اسم صاحبها، ويجعلها في صندوق، ثم يخرج بهم في أوسع ما يكون من النفقات والركوب وحسن الخُلُق والتيسير عليهم، فإذا قضوا حجتهم يقول لهم: هل أوصاكم أهلوكم بهدية؟ فيشتري لكل واحد منهم ما وصَّاه أهله من الهدايا، فإذا رجعوا إلى بلادهم بعث من أثناء الطريق إلى بيوتهم، فأُصلِحت وابيضت أبوابها ورُمِّم شعثها، فإذا وصلوا إلى البلد عمل وليمة بعد قدومهم ودعاهم، فأكلوا وكساهم، ثم دعا بذلك الصندوق وفتحه وأخرج منه تلك الصُّرر، ثم يُقسِم عليهم أن يأخذ كل واحد نفقته التي عليها اسمه، فيأخذونها وينصرفون إلى منازلهم [البداية النهاية، ابن كثير، (10/203)]. فلله دره من صديق ورفيق يغني أصحابه، يقدم لهم الخير ويدفع عنهم الشر، يبذل جهده وماله في سبيل رسم البسمة على وجوههم. المنقذون: فهنيئًا لمن صاحبهم حتى وإن كان من أهل المعاصي والذنوب، فإن لم يستطيعوا إنقاذه في الدنيا من براثن المعصية فهم قادرون بإذن الله على إنقاذه يوم القيامة، حتى وإن كان من أهل النار، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما مجادلة أحدكم في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أُدخِلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا، فأدخلتهم النار. قال: فيقول: اذهبوا فأخرِجوا من عرفتم منهم، قال: فيأتونهم فيعرفونهم بصوَرهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه؛ فيخرجونهم، فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا. قال: ويقول: أخرِجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم قال: من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول: من كان في قلبه وزن ذرة) [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (5010)]. فتأمل أخي الحبيب ذلك الحديث المعجز الغريب، واسأل نفسك؛ لماذا يجادلون المولى عز وجل عن إخوانهم بعد أن أدخل الله أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ؟ ما الذي سيجنونه من هذه المجادلة ومن عناء إخراج إخوانهم من جحيم النيران إلى جنة الرحمن؟ هل سترتفع منزلتهم في الجنة؟ لا أظن ذلك، فمكانهم معلوم ومكتوب. آهٍ لو وجدته: آهٍ لو وجدته! إنه بحق كنز من الكنوز، ونعمة عظيمة من نعم الله، يهبُها من يشاء، سوف تدخل معه جنتين، جنة الدنيا وجنة الآخرة. هذا هو الصديق بحق الذي تعيش معه في جنة الدنيا وهي طاعة الله، وتدخل معه إن شاء الله جنة الآخرة. وصالح إخوانك لا يملُّ قُرْبَك، ولا ينساك على البُعد، تُسَر بحديثه إذا حضر، إنه يشهد بك مجالس العلم، وحِلَق الذكر، وبيوت العبادة، ويزين لك الطاعة، ويُقَبِّح لك المعصية، ولا يزال ينفعك حتى يكون كبائع المسك وأنت المشتري. ولصلاحه لا يبيع عليك إلا طيبًا، ولا يغشك ولا يعطيك إلا جيدًا، وإن أبيت الشراء فلا تمر بشارع إلا وجدت منه ريح الطِّيب الذي يملأ المعاطس والأنوف، أولئك القوم لا يشقى بهم جليسهم، تنزل عليهم الرحمة، فيشاركهم فيها، ويهمُّ بالسوء فلا يقوله ولا يستطيع فعله، إذا لم يكن مخافة من الله فحياء من عباد الله الصالحين. إن كان قادرًا سَدَّ خلَّتك، وقضى حاجتك، ثم لا تحتاج بعد الله إلى سواه، إن ذكَّرته بالله طمع في ثوابه، وإن خوَّفته من عذاب الله ترك الإساءة، يُجْهِد نفسه في تعليمك وإصلاحك إذا غفلتَ عن ذكر الله، وإذا أهملت بشَّرك وأنذرك، يعتني بك حاضرًا وغائبًا. وإن كان مثلك أو دونك فهو يغفر زلتك، ويقيل عثرتك، ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثَّك عليه، وكان لك عونًا عليه، وإذا عملت سوءًا أو توجهت إلى سوء؛ حال بينك وبين ما تريد، وقال: أعرض عن هذا، واستغفر لذنبَك، إنَّك كنتَ من الخاطئين. ماذا بعد الكلام؟ 1. قم بعمل إحصائية لأصحابك وعدد السيئيين منهم ثم احذف أرقامهم من هاتفك. 2. ادعو الله في سجودك أن يرزقك الصديق الصالح. 3. قم بالبدء في حفظ كتاب الله تعالى، وابحث عن أصدقاء يعينوك على هذا الطريق، وستجدهم بالتأكيد. المصادر: · يا صاحبي، محمد السيد عبد الرازق. · البداية النهاية، ابن كثير. · محاضرة للشيخ نبيل العوضي، بعنوان: (قصص واقعية). · مجموع فتاوى ابن تيمية. · تفسير السعدي. · الرسالة القشيرية، القشيري.
خدمات المحتوى
|
تقييم
الاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |