الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
رسائل للشباب فُك قيدي |
2012-08-03 05:14
إلى كل من قد حاصرته الذنوب، وشُدت عليه قيود العادات السيئة، واكتنفته الهموم؛ فيصرخ في نفسه أن: "كفى"، ويصدق قلبه في الرغبة في الفرار، ولكن يثني عزمه هذا القيد، فإليه أسوق البشرى: قد جاءتك أيام الخلاص، لتتحرر من أسرك، قد جاءك رمضان يفك عنك قيد الذنوب والعادات السيئة، فقط دع روحك وجوارحك تنساب مع قوى رمضان. أسرار القوة الرمضانية: إن رمضان فرصة عظيمة للتغيير، وانتقال الإنسان من حال إلى حال أفضل، والتخلص من الذنوب التي تسيطر عليه، والعادات الخبيثة التي ألفها، فرمضان فرصة للتخلص من أسر العادة السرية، والتدخين، والاستماع إلى الغناء، وكل ما من شأنه أن يحاصر المرء، ويعوقه عن المضي في سبيل الرشاد. فلرمضان عوامل كثيرة بناءة، تتضافر فيما بينها؛ لتعين الإنسان على صياغة شخصيته من جديد، ويرتقي بنفسه عن الآفات، فهو فرصة حقيقية للتغيير. فكما أن رمضان كان محطة تغيير لأحوال الأمة بصفة عامة، عبر بدر الكبرى، والبويب، وعين جالوت، والعاشر من رمضان، وغيرها من معارك الإسلام الفاصلة، فهو فرصة للفرد كذلك أن تنتقل حياته نقلة كبيرة، فيتخلص من رواسب الماضي، ويتحرر من أسر المعاصي والعادات السيئة، فمن هذه العوامل البناءة: جماعية الطاعة: ففي رمضان يصير الغالب على المجتمع حرصه على الطاعة والخير، فالمساجد تمتلئ، وأعمال البر والصدقات يتسابق فيها المتسابقون، والأخلاق السمحة تفرض نفسها، وما ذلك إلا بما أودعه الله في هذا الشهر من بركات، وتيسيره للناس سبل الخير عن غيره من الشهور. فالطاعات التي ينفرد بها الكثيرون في غير رمضان، تصبح في رمضان أمرًا عامًّا، وهو ما يحفز المرء على النشاط في الطاعة؛ وهو ما يعلي لديه من بناء الإيمان، والذي يقوم بدوره بهدم الآفات. ونظرًا لأن الإنسان يتأثر بمن حوله، ورؤيته لمشاهد الطاعة لدى العباد تحفزه، أوصى الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى وقد تضافرت الأدلة لتؤكد على أهمية مصاحبة الأخيار، ففي الحديث: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) [حسنه الألباني في مشكاة المصابيح، (5019)]. شهر حمية: أي امتناع عن الشهوات، والتي هي مادة النشوز والعصيان، فيأتي الصيام ليكسر هذه الشهوات، فيحفظ الإنسان جوارحه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: الصيام جنة؛ يستجن بها العبد من النار، وهو لي، وأنا أجزي به) [حسنه الألباني في صحيح الجامع، (7757)]. قال المناوي: (وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة، وحفظ الجوارح، وفي الآخرة من النار) [فيض القدير، المناوي،(4/319)]. وبامتناع الإنسان عن الشهوات بالصوم المشروع؛ ترتقي نفسه وتسمو روحه، وكأنها تقترب من الملأ الأعلى الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون؛ فيكون هذا السمو الروحي، وكسر حدة الشهوات عاملًا هامًا ليتخلص المرء من حصار الآفات. اختبار القدرة: المدخن مثلًا؛ يمكث منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس متخليًا عن التدخين، مع أنه يرى في غير رمضان أنه لا يصبر على فراق التدخين ساعة أو ساعتين، بينما اجتاز هذه العقبة في رمضان، وإنما مقصدي أن قوة الإرادة قد بزغت عنده وقد كان يجهلها، فالإرادة التي حملته على ترك ذلك لله طوال النهار، بالإمكان أن تحمله على ترك التدخين في الليل أيضًا، خصوصًا إذا ما اغتنم ساعات الليل وعمرها بالقيام والذكر والطاعات، فإذا ما نجح في هذا الاختبار طوال شهر رمضان؛ فهذا إيذان بفك حصار الآفات، حيث أن ابتعاده شهرًا كاملًا عنها يثبت له قدرته على فراقها مدى حياته. وصية مشفق: أخي الشاب، الجأ إلى من دعاك: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، تذلل إليه وتضرع، قف على بابه واطرقه، فمن ذا ينجيك غيره، ومن ذا يقيك الشرور غيره، وارتقب ساعة نزوله إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بكماله، فيقول: (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) [متفق عليه]. ففر من ذنوبك إلى مولاك، وابتهل إليه ابتهال الخاضع الذليل، وسله أن يعافيك من تلك الآفات، فإلى من غيره تلجأ وتفر من ذنوبك: إليــك أفـــر مـــن ذللي فـرار الخائـف الوجـــلِ وخـذ بيــدي غريــق في بحـار القــول والعمــلِ في ظلمة الليل أنوار: الليل، معشوق الصالحين، وواحة المتقين، وسمر المجدين، بينهم وبينه وصال، وحديث ومقال، وآمال تلو آمال، يجمع عليهم شتات الهموم، فيتوحد الكيان للقاء القيوم، يستأنسون بسكونه الفصيح، يشقونه بالتهليل والتسبيح. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) [متفق عليه]، استجابوا لنصيحة نبيهم صلى الله عليه وسلم حين نادى فيهم: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر؛ فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3579)]. إنها ساعات الأنوار، لا يأخذ حصته منها إلا من عرض نفسه لها وتيقظت روحه ليغمرها ذلك النور، قد وعاها البصري رحمه الله عندما سُئل: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهًا؟ فقال: (لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (4/412)]. وما أروع ليل رمضان، قد أضفى ذلك الزائر على حسن الليل عبقًا، فيتقلب العبَّاد بين أنوار الساعات المباركة في أحضان رمضان، فتهتز قلوبهم من روعة المشهد ولذة الإيمان، فتنساب اللآلئ، تنساب الدموع. دموع في إناء الليل: أغلى ما في تلك الساعات من ليالي رمضان: تلك الدموع التي تنساب في الليل، وإنها لتغسل أدران القلوب، وتخلص الروح من قيود الأرض، تزرع الإخلاص في الليل ليجني حصاده في عمل النهار، يرقى بها العبد ويسمو، ولا يعدل لذتها عنده شيء. تلك الدموع التي تصنع العباد والفرسان، تلك الدموع التي جعلت شاعر الإسلام محمد إقبال يقبل علينا بحديثه: (كن مع من شئت في العلم والحكمة، ولكنك لا ترجع بطائل حتى تكون لك أنة في السحر) [الإيمان أولًا فكيف نبدأ به، مجدي الهلالي، ص(172)]، وكان رحمه الله يرى أن تلك الدموع رأس مال العالم والحكيم والزاهد والمفكر، وكان من كلامه ما يترجم قدرها عنده إذا يناجي ربه: (خذ مني ما شئت يا رب، ولكن لا تسلبني اللذة بأنة السحر، ولا تحرمني نعيمها). تلك الدموع التي أدرك عبد الله بن عمرو بن العاص معناها وقيمتها فقال: (لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار) [صفة الصفوة، ابن الجوزي، (1/658)]. أبو تراب يصف الأصحاب: يا لروعة هذا الجيل القرآني الذي تخرج من مدرسة النبوة، وصُنعوا على عين أستاذها، كيف الحال لو صار ذرف الدموع في جوف الليل اتجاهًا عامًّا وسمة أساسية لمجتمع، ها هو أبو تراب علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف أحوال الأصحاب، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول علي: (والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئًا يشبههم، لقد كانوا يصبحون صُفرًا شعثًا غبرًا بين أعينهم كأمثال ركب المعزى، قد باتوا لله سجدًا وقيامًا يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تنبل ثيابهم) [البداية والنهاية، ابن كثير، (8/7)]. أيها المقبل على ربه: ما أحوجك في رمضان إلى دمعة صادقة، تغسل عنك أدران الذنوب، تكون عنوان ضراعاتك لمولاك، وبرهان خوف ورجاء ومحبة للرحمن، علها تكون طوق النجاة. أيها العبد المتلهف لغيث الرحمات: دمعة في ليل رمضان كقطرة الندى، تجلي الغشاوة والصدى، تنير درب المسير، تحلي الطعم المرير، ترضي الإله القهار، ترفع عن قلبك الأستار، إن ذقت طعمها فلن تنساها، فترقب الليل حتى تلقاها، فإن أتاك الليل قلتَ: مرحى يا خشوعي، يا ليل رمضان، أحببت فيك دموعي. ماذا بعد الكلام؟ ـ احمد الله تعالى أيها الشاب أن بلغك رمضان، فهناك أناس قد حرمهم الله تبارك وتعالى، من تلك النعمة وتوفاهم قبل رمضان. ـ العشر الآواخر من رمضان مقبلة عليكِ، فاجتهد في الطاعة في هذه العشر، من قيام الليل وقراءة القرآن، وأري الله من نفسك خيرًا. ـ ادعو الله أن يبلغك ليلة القدر. المصادر: · البداية والنهاية، ابن كثير. · فيض القدير، المناوي. · إحياء علوم الدين، الغزالي. · الإيمان أولًا فكيف نبدأ به، مجدي الهلالي. · صفة الصفوة، ابن الجوزي.
خدمات المحتوى
|
تقييم
الاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |