الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
رسائل للشباب تجفيف المنابع |
2012-08-03 05:43
الكاتب:محمد السيد عبد الرازق(الوقاية خير من العلاج)، حكمة جليلة تنبئك أن تجفيف منابع المعصية يقطع الطريق على القلب أن يتعلق بها؛ ومن ثَم كان تجفيف المنابع التي تُغذِّي طغيان الشهوة لدى الشباب من الأهمية بمكان، وأهم منبعين للشهوة هما: إطلاق البصر والاسترسال مع الخواطر. غض البصر: والبصر هو باب القلب الأول، وأقرب الحواس إليه، ولذا؛ أراد الله أن يُحْكِم الإنسان رقابته على هذا الممر، ويفحص ما يدخل منه؛ لأنه سرعان ما يدخل إلى القلب. كما أن العين التي يكفُّها صاحبها عن محارم الله لا تمسها النار يوم القيامة أبدًا؛ فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله) [حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1231)]. وحق لك يا من تغض بصرك، أن تفرح ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم لك؛ فإنه صلى الله عليه وسلم يضمن لك الجنة؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم) [حسنه الألباني في صحيح الجامع، (1018)]. وتأمل كيف فصل النبي صلى الله عليه وسلم بين حفظ الفرج وغض البصر على الرغم من الترابط الشديد بينهما، وكأنه تأكيد على خطورة غض البصر كمدخل وبريد لما قد يؤدي بعد ذلك إلى عدم حفظ الفرج. ولنا من سلفنا الصالح القدوة والأسوة في غض البصر؛ فقد ضربوا لنا أروع الأمثلة في هذا الأمر: (خرج حسان بن عطية رحمه الله إلى العيد فقيل له: ما رأينا عيدًا أكثر نساء منه، فقال: ما تلقتني امرأة منذ خرجت، وقالت له امرأته يوم العيد: كم من امرأة مستحسنة نظرت اليوم؟ فلما أكثرت عليه، قال: ويحكِ! ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعتُ إليكِ) [ذم الهوى، ابن الجوزي، ص(77)]. وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: (من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعَمَّر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال؛ لم تخطئ له فِراسة) [صفة الصفوة، ابن الجوزي (1/417)]، وكان ابن شجاع لا تخطئ له فِراسة. كيف السبيل؟ وأخيرًا أخي الحبيب نأتي للجزء العملي، وهو كيف أغض بصري على الرغم من كل هذه الفتن والمغريات؟ فإليك بعض الخطوات العملية للتحكم في بصرك: 1ـ أولًا دعنا نتفق على أمر ما يؤثر بشكل كبير على تحكمك في بصرك، وهو مسألة (الجمال النسبي). فمعايير الجمال تختلف من شخص لآخر، ومن ذوق إلى ذوق، فأنت على سبيل المثال قد تستهويك ملابس معينة، وتكون في نظرك من أجمل الملابس وأكثرها أناقة، ولكن هناك غيرك من يعتقد أن هذه الملابس ليست جميلة بالقدر الكافي، بل وهناك من يعتقد أنها قبيحة. ولذلك ما تراه أنت جميلًا قد لا يكون جميلًا في نظر الآخرين، أو قد لا يكون جميلًا على الإطلاق. وهكذا أخي الحبيب، ما تراه من منظر يعتقد الكثيرون أنه جميل هو في الحقيقة ليس بالجميل، وإلا فأخبرني بالله عليك: أي جمال في امرأة تغضب الله عز وجل وتعصيه مجاهرة وتتحدى أوامره؟ بل أي جمال في منظر تمتع به قبلك الكثير، وسيتمتع به بعدك أكثر؟ أي جمال في امرأة تعرض نفسها وكأنها سلعة تباع؛ فتبرز مفاتنها لكي تغري المشتري حتى يشتريها؟ أي جمال هذا وهو من فعل الشيطان؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي تخرج من بيتها متزينة ومتعطرة وكأنها تتزين لزوجها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (1173)]. واستشرفها أي زيَّنها في نظر الرجال؛ فهل المرأة التي أشرف الشيطان على تزيينها لك ولغيرك تعتبر جميلة مهما كان شكلها؟ فاعرف حقيقة ما تراه؛ تعف عينك عن رؤياه. 2ـ التحكم في العين وحركتها، فبعض الناس خاصة من اعتادوا على عدم غض أبصارهم إذا تأملوا في أنفسهم؛ سيرون أن أعينهم تقودهم وليسوا هم الذين يقودونها، وترى بصره يذهب يمنة ويسرة. ويتم ذلك عن طريق تعويد العين أن تنظر في مكان محدد لفترات تطول تدريجيًّا؛ حتى يصل المرء إلى أن يحكم نظره على الشيء فلا يكون إلا لحاجة. 3ـ إذا أفلت منك بصرُك مرة، فأتبع هذه النظرة بطاعة فورية؛ كالاستغفار مائة مرة مثلًا، أو قول سبحان الله وبحمده مائة مرة، أو تصدق بصدقة، وهذا العلاج من أنفع العلاجات؛ لأنك تراغم الشيطان فيه، وتجعله بعد ذلك يندم إذا أوقعك في الذنب؛ لأنك تتبعه بالتوبة والمزيد من الحسنات. 4ـ عاقب نفسك كلما أفلت منك بصرُك؛ بأن تتصدق بمبلغ معين، ويفضل أن يكون كبيرًا حتى يؤثر في النفس. 5ـ إياك أن تغتر بوساوس الشيطان وتتبع النظرة بأختها؛ لأن هذا يزيد تأثير الأولى ويضعف القلب، فأنت (إذا رأيت فرسًا قد مالت براكبها إلى درب ضيق فدخلت فيه ببعض بدنها، ولضيق المكان لا يمكن أن تدور فيه، فصيح به ارجعها عاجلًا قبل أن يتمكن دخولها، فإن قَبِل وردَّها خطوة إلى ورائها سهل الأمر، وإن توانى حتى ولجت ثم قام يجذبها بذنبها طال تعبه، وربما لم يتهيأ له. وكذلك النظرة إذا أثرت في القلب، فإن عجل الحازم بغضها، وحسم المادة من أولها سهل علاجه، وإن كرر النظر نقب عن محاسن الصورة، ونقلها إلى قلب متفرغ، فنقشها فيه، فكلما تواصلت النظرات كانت كالمياه تسقى بها الشجرة فلا تزال تنمي فيفسد القلب) [ذم الهوى، ابن الجوزي، ص(95)]. 6ـ ضع لنفسك هدفًا تسعى لتحقيقه؛ كأن تحاول أن تغض بصرك يومين مثلًا أو أسبوعًا كاملًا، فإذا حققت هدفك فكافئ نفسك أي مكافأة تراها ولو كانت بسيطة، كأن تأكل أكلة تشتهيها، ثم بعد ذلك ضاعف المدة وضاعف المكافأة. 7ـ خاطب نفسك دائمًا أنها عزيزة، ولا ينبغي أن تلتفت إلى هذه الدناءات؛ (فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار؛ فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش، ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجَّل) [الفوائد، ابن القيم، ص(113)]. كما أن إطلاق البصر ليس من شيم الرجال حتى وإن كانوا كفارًا؛ كما قال عنترة: وأغضُّ طَرْفي حين تبدو جارتي حتى يُواري جارتي مَأواها فإذا كان عنترة ـ وهو الذي كان يعيش في الجاهلية ـ يغض بصره؛ فأولى لك أخي الحبيب أن تغض بصرك. 8ـ استعن بالله عز وجل، وأكثر من الدعاء أن يرزقك العفاف وأن يحفظ عينك من النظر الحرام، فإنما الدعاء سلاح المؤمن، به يقهر عدوه وشيطانه، والله تعالى أكرم وأجل من أن يمد العبد يديه إليه عز وجل ثم يردهما خائبتين صفرًا من رحمته. التحكم في الخواطر: يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (واعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر، فيأخذها الفكر فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها التذكر فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة، فردُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها) [الفوائد، ابن القيم، ص(111)]. وتنشأ هذه الخواطر من إطلاق البصر فيما حرم الله تعالى، فيُخَزِّن العقل هذه الصورة، ثم يستدعيها الشيطان وقتما يحلو له ليدفعك إلى المعصية. وقال رحمه الله في موضع آخر: (وأما الخطرات فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، وإنما شرف النفس وزكاتها وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها، ولا يرضى أن يُخطرها بباله ويأنف لنفسه منها) [الداء والدواء، ابن القيم، ص(157، 158)]. وقال أبو العباس بن مسروق: (من راقب الله في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه) [ذم الهوى، ابن الجوزي، ص(145)]. وإليك بعض النصائح للتحكم في الخواطر: 1ـ لابد أولًا أن تنظف ذاكرتك من هذه الخواطر، عن طريق عدم السماح بإدخال المزيد منها مرة أخرى، ومحاولة نسيان الخواطر الماضية عن طريق غض البصر، فهو الدواء الشافي لعلاج الخواطر؛ لأنه يساعد على نسيان الماضي بالإضافة إلى عدم إدخال خواطر جديدة. 2ـ إذا داهمتك خاطرة ووجدت أنك تسترسل معها غَيِّر من وضعك؛ فإذا كنت نائمًا اجلس، وإن كنت جالسًا قف، ولتكن حركتك الانتقالية من وضع إلى آخر حركة سريعة فورية عنيفة بعض الشيء؛ لأن هذا يشتت الذهن مما يذهب بالخواطر. 3ـ إذا لم تستطع أن تغير من وضعك، قم بإفساد الخاطرة في عقلك؛ عن طريق التفكير في مشهد آخر يفسد عليك الاستمتاع بالخاطرة التي تفكر فيها؛ فمثلًا وأنت في خاطرتك تخيل أن أباك مثلًا أو أمك أو أخاك الصغير دخل عليك وشاهدك وأنت تقوم بهذا الفعل، ثم تخيل موقفك في هذه الحالة وما ستكون عليه من خجل، فهذا كفيل بأن يفسد عليك متعتك في الاسترسال مع الخواطر؛ ومن ثَم عدم التفكير فيها مرة أخرى. 4ـ عليك أن تملأ عقلك بمشاهد أخرى وخواطر جديدة، بالتأمل في مخلوقات الله عز وجل في كل مكان، وأيضًا مشاهد لإخواننا المستضعفين في مختلف أنحاء العالم، واستحضر هذه المشاهد عندما تداهمك الخواطر السيئة. 5ـ عليك أولًا وأخيرًا بالدعاء والتذلل لله عز وجل أن ينقي سريرتك، ويصفي ذهنك من هذه الخواطر؛ فهو الذي بيده الأمر كله وهو المستعان على كل نائبة. المصادر: · ذم الهوى، ابن الجوزي. · الداء والدواء، ابن القيم. · الفوائد، ابن القيم.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةمحتويات مشابهة/قالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |