الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
زهرة البيت رباعي العداء |
2012-08-06 05:15
سئل أبو هريرة رضي الله عنه يومًا عن التقوى، فقال لسائله: (هل أخذت طريقًا ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى) [جامع العلوم والحكم، ابن رجب، ص(173)]. إن الفتاة المسلمة السائرة في طريق الله عز وجل، مثلها مثل المسافر الذي قد عزم على السفر إلى بلد من البلاد، فأعد العدة من طعام وشراب، ثم جهز السيارة التي سيسافر بها، فتأكد من وجود الوقود الكافي الذي يوصله إلى تلك البلد، وتأكد من أنها ليس بها أي عطل، ثم بعد أن بدأ بالمسير بها، وبينما هو على الطريق إذ يرى لافتات تحذره من مطب صناعي، وأخرى تنبهه بوجود المنحنيات، فيهدئ من سرعته ويكون حذرًا على لا يقع في مطب قد يؤدي به إلى حادث خطير. وهكذا طريق الله تعالى، ليس سهلا، ولا مفروشا بالورود ولا بالرياحين، بل فيه عوائق و مزالق، لا بد أن يبصرها كل سائر على درب الأنوار، حتى يصل سالما غانمًا إلى رضوان الله و رحمته. وأول خطوة على طريق النجاة أن يبصر المسافر طريقه، ويعلم ما يكتنفه فيه من عوائق ومصاعب، لكي يستطيع اجتيازها، وينجو من شرها، فتعالي أختي الحبيبة لكي آخذكِ في جولة في سريعة لنتعرف سويًا على أعداء الطريق الأربعة. نفسكِ الأمارة: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]. فهكذا خلقها الله تعالى، كثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، تستثقل تكاليف الإيمان، وتتوق إلى هواها من أصناف الشهوات، وأنواع الملذات، من حل أو حرام، فهي كالطفل الصغير الذي لا يدري أن مصلحته في فطامه عن رضاعه. وبجانب ذلك فقد خلق الله تعالى عند هذه النفس استعدادا للتزكية والتطهر، فكما أن فيها قبضة من طين، ففيها أيضًا نفخة علوية من روح ربها جل وعلا، تشدها دومًا إلى بارئها وخالقها، فهي وسط بين الملاك الذي هو خيرخالص، وبين الشيطان الذي هو شر خالص. {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10]. فكما خلق الله تعالى في النفس نوازع الشر التي تشدها إلى الأرض، خلق فيها نوازع الخير التي تشدها إلى السماء، وترك للإنسان الخيار في الانضمام إلى أحد الفريقين، فريق الفلاح الذي زكى نفسه وطهرها بطاعة الله، وفريق الخيبة والخسران الذي أهانها ودساها بمعصية الله. الشيطان الرجيم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]. هكذا يرسم الله لكِ أيتها الفتاة صورة العائق الثاني الذي يحول دونه وبرد الوصول، إنه الشيطان الملحاح الذي لا هم له إلا إغواء بني آدم، ودفعهم إلى العودة من طريق الله إلى ظلمات الغفلة. وله مع ابن آدم معركة من سبع جولات، وبحسب انتصار العبد فيها أو انهزامه تتحدد درجته في منازل السالكين إلى رب العالمين، عبر درب الأنوار، فصلها الإمام ابن القيم تفصيلًا دقيقًا فيما أبدعه من الفوائد؛ فقالولكن ينحصر شره في ستة أجناس لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحدًا منها أو أكثر. الشر الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى يناله منه. فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره واستنابه على أمثاله وأشكاله فصار من دعاة إبليس ونوابه فإن يأس منه من ذلك، وكان ممن سبقت له الإسلام في بطن أمه نقله إلى المرتبة الثانية من الشر وهي البدعة. وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي، لأن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد، وهي ذنب لا يتاب منه وهي مخالفة لدعوة الرسل ودعوة إلى خلاف ما جاؤوا به وهي باب الكفر والشرك. فإذا نال منه البدعة وجعله من أهلها بقي أيضًا نائبه وداعيًا من دعاته فإن أعجزه من هذه المرتبة وكان الجد ممن سبق له من الله موهبة السنة ومعاداة أهل البدع والضلال نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها. فهو أشد حرصًا على أن يوقعه فيها، ولا سيما إن كان عالمًا متبوعًا فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه، ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس، ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينًا وتقربًا بزعمه إلى الله تعالى وهو نائب إبليس، ولا يشعر فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها. فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقِّرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهْلِكْنَه) [صححه أحمد شاكر]، فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة، وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها. فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظًا لوقته شحيحًا به يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب، نقله إلى المرتبة السادسة وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له، إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه. فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيا عليه سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه، فحينئذ يلبس المؤمن لامة الحرب، ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضها أسر أو أصيب، فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله) [بدائع الفوائد، ابن القيم، (1/398-396)]. الهوى القاتل: وينتصب الهوى المهلك المردي، كعائق ثالث أمام كل فتاة، وهو مادة إغواء الشيطان للنفس الأمارة بالسوء، إذ هو كل ما تهواه النفس من الشهوات والرغبات التي لا ترضي الله تعالى، والتي زينت في عين الإنسان فطرة من الله تعالى، وابتلاء واختبارًا منه سبحانه، {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} [آل عمران: 14]. الدنيا الحقيرة: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. هكذا أخبر عنها خالقها وباريها، ليجعل الله تعالى تلك الدنيا الدنية عائقًا رابعًا أمام كل سالك درب الأنوار؛ إذ تلهي أصحابها وتغرهم، بما فيها من زخرف وبهرج، حتى ينشغلوا بها، وينسون الدور الذي من أجله سخرها لهم الله تعالى، من عبادته وطاعته، وتعميرها بدينه ومنهجه. فلقد أراد الله تعالى الدنيا بما فيها مزرعة للآخرة، وجعلها زمان ومكان العمل، وأمر الإنسان أن يسخر كل ما فيها لمرضاته وطاعته، مع تمتع بما أحله الله له فيها من طيبات، في قصد وإعتدال، فالتهى معظم الناس عن الغاية بالوسيلة، وعن المستقر بالممر. ماذا بعد الكلام؟ جئنا إلى الوسائل العملية التي تعينك أيتها الفتاة للتغلب على الأعداء الأربعة: 1- العودة إلى الله: (إن في المنهج التربوي الإسلامي ما يروي الغليل، ويشفي العليل من أنواع الشعائر، والأنشطة العبادية: من العقائد، والأقوال، والأفعال، ما يلبي هذه المطالب وينميها ويضبطها) [المراهقون، عبد العزيز النغيمشي، ص(41)]. فالإنسان بحاجة إلى أن يلجأ إلى الله تعالى، فهو سبحانه القادر بعفوه وكرمه على حماية عبده، شريطة أن يتقن فن الفرار إليه، والانطراح بين يديه، معترفا بذله وفقره لربه، بعد إذ خلقه ضعيفًا ظلومًا جهولًا، فلا يملك من سبيل للنجاة من كل تلك العوائق إلا بعون من القوي المتين. إذ (كيف يَسلَمُ من له نفس أمارة بالسوء، ودنيا متزينة، وهوى مُردٍ، وشهوة غالبة له، وغضب قاهر، وشيطان مزين، وضعف مستول عليه، فإن تولاه الله وجذبه إليه، انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة) [الفوائد، ابن القيم، ص(80)، بتصرف]. 2- رفيقة الطريق: (إن الصحبة نمط علاقة وقالب اجتماعي لا يكاد ينفك عنه تاريخ الإنسان فهو مصدر من مصادر تربيته ومعرفته وأنسه وسروره ومواساته ومعاونته فهو ذو أثر كبير في حياة المرء النفسية الاجتماعية والثقافية) [المراهقون، عبد العزيز النغيمشي، ص(61)]. فلا غنى عن الأصدقاء، الذين أوصى الله تبارك وتعالى بصحبتهم فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]. وهم رفقة الآخرة، الذين يعينون الفتاة في طريقها وتساعدها في التغلب على الأعداء الأربعة، بما يكون بينهم من تعاون على البر والتقوى، وتناصح في الله، وتواص بالحق وتواص بالصبر. فصحبة إخوان الخير بضاعة المؤمنين، اشتراها عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل وجربها، فعاد يروي لك خلاصة تجربته في إخوة الإيمان، فقال: (ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرًا من أخ صالح، فإذا رأى أحدكم ودا من أخيه فليستمسك به) [قوت القلوب، أبو طالب المكي، (2/178)]. المصادر: قوت القلوب، أبو طالب المكي. جامع العلوم والحكم، ابن رجب. الفوائد، ابن القيم. بدائع الفوائد، ابن القيم. المراهقون، عبد العزيز النغيمشي.
خدمات المحتوى
|
تقييم
الاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |