الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
زهرة البيت الأترجة الصغيرة..! |
2012-08-06 05:19
الكاتب:سحر محمد يسريفي منزل أسرة "مها" ذات الثلاثة عشر ربيعًا، حان موعد حلقة القرآن الأسبوعية..جلست الأم يلتف الأبناء من حولها بنين وبنات. يتصدر الأب الحلقة، ويفتتحها بتذكرة الأبناء بفضل القرآن الكريم، وكرامة أهله، تاليًا عليهم هذا الأسبوع حديث الأترجة: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر). [متفق عليه]. قالت "مها": ما معنى الأترجة يا أبي؟ ولماذا شبّه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن بها..؟ الأب: أحسنتِ يا مها في سؤالك هذا، ومن حقك أن تحصلي على إجابة وافية.. الأترج (Citrus Medica Cedrata) من الحمضيات، ومن أسمائه (تفاح العجم)، ذهبي اللون، ذكي الرائحة حامض الماء،يزرع في المناطق المعتدلة الحارة وثمرهكالليمون الكبار. وهو نبات دائمالخضرة من أشجار الحمضيات، يؤكل طازجًا ويشرب عصيره بعد مزجه بالماء وتحليته بالسكركشرابٍ منعش ومرطب ومهضم. وفيه منافع كثيرة كما قال ابنالقيم: (وفي الأترج منافع كثيرة من قشر ولحم وبزر ومن منافع قشره أن رائحته تصلحفساد الهواء، ويطيب النكهة إذا أمسها بالفم وإذا جعل في الطعام أعان على الهضم. وأما لحمه فملطف للمعدة). وحقيق – يا حبيبتي- بشيء هذه منافعه أن يشبه به النبي صلى الله عليه وسلم خلاصةالوجود وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن..! ثم أنشأ الأب يرتل الآيات والأبناء يرددون خلفه..في خشوع يمتزج بالفرح بهذا التشبيه الرائع..! عزيزي المربي.. إن ارتباط أبنائنا وبناتنا بالقرآن الكريم يعد من أهم الأسس التي تنبني عليها التربية السليمة التي ننشدها جميعًا، وإن كنا نخص زهراتنا الحبيبات في هذا المقام بالحديث..نظرًا لما تتمتع به الأنثى من شدة التأثر العاطفي، وقابلية الإستهواء خصوصًا في مرحلة المراهقة، فإذا تربت على القرآن ..كان نبراسًا يضيء لها طريقها، ومنهجًا متكاملًا لحياتها..منه تنطلق، وعنه تصدر، وإليه تعود وترجع. إنه كتاب الله المجيد..! من أصول العقيدة التي يؤسسها الوالدان في نفس الفتاة المراهقة الإيمان بالكتب السماوية المنزّلة من عند الله تعالى وآخرها القرآن الكريم، وهو ركن من أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان العبد حتى يؤمن بها جميعا، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره) [متفق عليه]. - وهذا الإيمان يقتضي أن تعلم الفتاة أنّ القرآن الكريم هو معجزة الله الخالدة، بمعنى أنّه نزل ليكون منارًا ومرجعًا للأجيال المتعاقبة إلى يوم القيامة،ولا يختص بفترة زمنية معينة؛ لأنه قد تناول كل جوانب الحياة، واحتوى على ما ينفع المؤمنين في دينهم ودنياهم. - وهوناسخ لما قبله من الكتب ومهيمن عليها جميعا، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]، وأنّ كل كتاب سابق كان يأمر أتباعه باتباع القرآن إذا أدركوا زمان نزوله، وأنّه انتقل إلينا من جيل إلى جيل سالمًا من التحريف؛ لأنّ الله تعالى قد تكفّل بحفظه، في حين أنّ باقي الكتب لم تسلم من التحريف، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] [الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، حنان الطوري، ص(105) بتصرف]. - وهو نعمة الله الكبرى على عباده،إذ أذن لمخلوقات ضعيفة مثلنا أن تناجيه، وتبحث في كتابه وتتدبر معانيه، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]. يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: )ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصال معاني كلامه غلى أفهامهم، وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم ـ سبحانه ـ ويتدبر كلامه) ومع ذلك فقد زادهم بأن أعطاهم أعظم الأجر وأرفع الدرجات على تلك العبادة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّارَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [ فاطر: 29-30]. بل إنّ الله تعالى اصطفى لنفسه أهل كتابه التالين له، والعاملين به؛ فجعلهم أهله وخاصته، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته). [صححه الألباني في صحيح الجامع، (2165)] [روح الصيام ومعانيه، د.عبد العزيز مصطفى، ص(53)]. ولكي تفوح الأترجة: حتى يفوح هذا العطر الزكيّ لابد من تربية الفتاة عمليًا على التعبد لله تعالى بتلاوة القرآن الكريم، والعناية به حفظًا وتلاوة، وتعلم أحكامه، ومدارسته مع الزميلات، والتهجد به في الصلوات، والأم بالطبع هي أول من يتعهد الفتاة بذلك، فتدرّب الأم ابنتها أثناء التلاوة على آدابها المستحبة مثل الوضوء و الهيئة الحسنة، والإقبال على التلاوة بفهم وتدبر، فإذا مرت بآية رحمة سألت الله من فضله، وإن مرت بآية عذاب استعاذت، وإذا مرت بآية سجدة كبّرت وسجدت، كذلك تُربى الفتاة على احترام القرآن والإنصات له عندما يتلى عليها. قال الإمام النوويومما يعتنى به، ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور يتساهل فيها بعض الغافلين، فمن ذلك: اجتناب الضحك، واللغط، والحديث أثناء التلاوة إلا كلامًا قد يضطر إليه، ومن ذلك العبث باليد، والنظر غلى ما يلهي ويبدد الذهن، وليمتثل قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] [لأسلوب الأمثل في تربية البنات،يوسف رشاد،ص(94)]. - ومن أهم الوسائل أيضًا ترغيب الفتاة في الأجر العظيم الذي وعد الله به قاريء القرآن الذي يعمل به ولا يخالفه، ولا بأس أن تحفظ الفتاة بعض الأحاديث التي تبين ذلك مثل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب حلّه، فيلبس تاج الكرامة. ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة). [حسنه الألباني في صحيح الجامع (8030)]. زهرتنا الحبيبة.. إذا كان القرآن الكريم هو الرسالة الإلهية الخالدة، ومستودع الفكر والوعي، ومنهج الإستقامة والهداية،ومقياس النقاء والأصالة. فإنك إذا تعاهدتِ القرآن تلاوة وتدبرًا وحفظًا؛ سيعمل على بناء شخصيتك بناءًا إيمانيًا، ويربي في نفسك الأخلاق الحميدة والسلوك المستقيم، ويشكل تشكيلًا يتسم بالأصالة والنقاء،كما يمنحك الفصاحة، وحسن المنطق وسلامة اللسان..أتدرين كيف ؟؟ [كيف تربي طفلًا سليم العقيدة؟ د.سميحة غريب، ص(76)]. كيف يبني القرآن شخصيتك؟ - يغير القرآن أفكارك وتصوراتك عن مفردات الحياة، ويرسي قواعد التصور الإسلامي في عقلك ووجدانك، ومن ثمّ تتغير اهتماماتك تبعًا لذلك، لترتقي أهدافك ويصبح همّك وتطلعاتك فيما يرضي الله تعالى . - القرآن يضبط الفهم، ويمنحك الشخصية المعتدلة المتوازنة،التي تعطي كل ذي حق حقه، وتعرف كيف ترتب الأولويات. - ومن أهم تأثيرات القرآن أنه يشعر صاحبه – مؤمن أو مؤمنة- بقيمته في الكون، وأنه قائد له، سيدً عليه، يمتلك نور الوحي الذي يستطيع أن يوجّه به كل البشر إلى سبيل فلاحهم في الدنيا، وفوزهم في الآخرة، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]. - القرآن يولّد الطاقة في نفسك،ويقوي العزيمة في قلبك، مما يجعلك تتوجهين تلقائيًا إلى تصريف هذه الطاقة في أعمال البر المختلفة دونما توجيه من أحد. - ويستمر القرآن في زيادة الإيمان إلى أن يحرر القلب من الهوى، لينطلق به إلى السماء قلبًا ربانيًا موصولًا بالله عز وجل. - ومن أعظم صور التغيير التي يقوم بها القرآن أنه يعرّف صاحبه بالله عزّ وجلّ؛ فيمتليء قلبه بتعظيم مولاه وخشيته ورجائه، فيزداد إخلاصًا له سبحانه، وصدقًا في التوجه إليه. - والقرآن أيضًا يعرفنا بحجم أنفسنا الحقيقي، وقيمتها التي تنقص وتزداد بحسب انضباطها على ميزان التقوى من عدمه؛ فتصغر عندئذ في أعيننا؛ لتجد أعمالنا الصالحة طريقها إلى الله تعالى بعيدًا عن حواجز العجب والإدلال. [كيف نغير ما بأنفسنا؟، د.مجدي الهلالي، ص( بتصرف70)]. وأخيرًا.. إذا تزايدت مخاوفنا على أبنائنا وبناتنا، وخشينا عليهم من تياراتٍ وافدة تهدم الخلق، وتشوّه الفكر، وتسلخ أبنائنا من دينهم وتجردّهم من هويتهم المسلمة ..فليس أمامنا سوى أن نربطهم بحبل الله المتين: القرآن الكريم. فهو المصدر الحقيقي لعزتهم، والحصن المتين لدينهم، فليرتلوا القرآن، ولتعلوا درجاتهم، ويزكو عطرهم فيملأ شذاه الدنيا كما فعلت بنا هذه الأترجة الصغيرة..! المصادر: · روح الصيام ومعانيه، د.عبد العزيز مصطفى. · كيف نغير ما بأنفسنا؟، د.مجدي الهلالي. · الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، حنان الطوري. · كيف تربي طفلًا سليم العقيدة؟، د.سميحة غريب. · الأسلوب الأمثل في تربية البنات، أ.يوسف رشاد.
خدمات المحتوى
|
تقييم
الاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |