الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
رسائل للشباب هل تريد النجاة؟ |
2012-08-02 04:35
الكاتب:محمد السيد عبد الرازقلما نزل قول الله تعالى(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ))[الشعراء:214]، صعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا؛ فجعل ينادي: (يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا) [رواه مسلم]. فيا له من إنذار مهيب بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم دعوته, يقرع به القلوب قبل الأسماع، ليوقظها من سباتها؛ حتى تفيء إلى ربها، وتعود إلى باريها، لتبدأ رحلة السير إلى قرة نعيمها، وسعادتها في الدنيا والآخرة، حينما تعلم وظيفتها التي خلقت من أجلها فتعيش بالله، ولله، ومع الله، وكذلك كل من أراد أن يسير على طريق الله، فعليه أن يبدأ أولى خطواته على هذا الطريق المبارك، بالتزود أولًا من معين الخشية من علام الغيوب جل وعلا. فالرحلة إلى الله إنما تقطع بالقلوب لا بالأبدان، ولا يمكن أن يسير إلى الله تعالى قلب ما زال راقدًا على سرير الغفلة، أو مكبلًا بأغلال الخطايا، (إذ كيف يرحل إلى الله تعالى، مكبل بشهواته؟! أم كيف يطمع أن يدخل على الله تعالى وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟!) [حكم ابن عطاء، (61)، بتصرف يسير]. ومن ثم؛ يحتاج طالب النجاة إلى طاقة إيمانية عالية؛ تخلصه من أسر تلك الأغلال؛ حتى يتحرر قلبه ويستوي من بعد ذلك حرًا طليقًا، يسير إلى ربه تعالى في همة ونشاط، وخير مولد لتلك الطاقة هو رهبة العظيم الجليل سبحانه وتعالى، كما هو مذهب إبراهيم الشيباني الذي أعلنه بقوله: (الخوف إذا سكن القلب، أحرق مواضع الشهوات فيه، وطرد منه رغبة الدنيا) [شعب الإيمان، البيهقي، (1/513)]، بل إن ذلك هو الأصل الموروث عن خير البرية صلى الله عليه وسلم، إذ يوجهنا إلى ذلك فيقول: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله هي الجنة) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2450)]. هل تريد النجاة؟ أخي، هل تريد النجاة؟ هل تحب أن تأمن يوم القيامة إذ الناس خائفون؟ هل تريد أن تفوز بالجنة حين يخسرها الخاسرون؟ فعليك إذًا بخشية الحي القيوم، وها هو الله تعالى يبشرك ويحذرك في آن واحد، فيما يرويه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي، فيقول سبحانه وتعالى: (وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا، أمنته يوم القيامة، وإن أمنني في الدنيا، أخفته يوم القيامة) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (742)]، ثم يأتي هذا الوعد النبوي لجموع أهل الخشية من الرب الجليل، على لسان سيد البرية صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2311)]. وإذا كان للمؤمن في الآخرة جنة واحدة، فإن الله تعالى أعد لعباده الذين غمرت الخشية قلوبهم جنتين، فقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، فهنيئًا يا صاحب الخشية والإيمان، واسمع إلى مجاهد رحمه الله وهو يصف هذا العبد الخائف من ربه فيقول: (الرجل يهم بالذنب فيذكر مقامه بين يدي الله فيتركه، فله جنتان) [تفسير الطبري، (23/56)]. جناحك يا طائر أخي الحبيب إذا ما رمت عيشًا في كنف ربك في هذه الحياة، وإذا ما أملت شوقًا في سكنى بجواره بعد الانتقال من هذه الدار إلى دار القرار، فعليك أن تنطلق إلى رحاب ربك اليوم قبل غد لا على الأقدام بل طيرًا إليه وتحليقًا في سماء الإيمان، وعلى قدر قوة جناحيك تبلغ أمانيك، ولكن أتدري أين تجد جناحيك؟ يقول ابن القيم: (القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف، والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر) [مدارج السالكين، ابن القيم، (1/518)]، فأنى لك الطير بلا جناح؟! وأنى لك أن تسير إلى ربك بغير قلب تسيل فيه أودية الخوف والرجاء؟! إنها إذًا معالم تربوية يرشدنا إليها المربي البارع ابن القيم طيب الله ثراه، مفادها أن القلب الذي يسير إلى ربه جل في علاه لابد له من صياغة تشمل أمرين أحدهما الخوف والآخر الرجاء. صانعة المشيب وإذا ما تأملت أيها الحبيب، في سير الأنبياء والمرسلين تجد أن الخوف الشديد من الله كان هو سمة الأنبياء، وعلى رأسهم سيد الخائفين من رب العالمين، صلى الله عليه وسلم، ويكفيك أن تسمع إليه وقد وجل قلبه من ربه، فترجم لنا تلك الرهبة فقال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله تعالى ساجدًا، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله) [حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2312)]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، قد شبت؟ فقال: (شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3297)]، فها هي الخشية تشيب الحبيب صلى الله عليه وسلم. ورثة الخشية وأما صحابة النبي عليه السلام، فقد ورثوا عنه الخشية، وها هو الإمام ابن القيم رحمه الله يقول عنهم: (ومن تأمل الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير والأمن، فهذا الصديق يقول: وددت أني شعرة في جنب مؤمن، وذكر عنه أنه كان يمسك بلسانه، ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وكان يبكي كثيرًا ويقول: ابكوا، فإن لم تبكوا، فتباكوا) [الداء والدواء، ابن القيم، ص(40)]. (وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية، فلما أتى على هذه الآية(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ))[الجاثية:21]، فجعل يرددها ويبكي حتى الصباح) [صفة الصفوة، ابن الجوزي، (1/164)]. الصالحون على الطريق قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز لمغيرة بن الحكم: (يا مغيرة، إنه يكون في الناس من هو أكثر صلاًة وصيامًا من عمر، وما رأيت أحدًا قط أشد فرقًا من ربه من عمر، كان إذا صلى العشاء؛ قعد في المسجد، ثم يرفع يديه، فلم يزل يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه، فلم يزل رافعًا يديه يبكي، حتى تغلبه عيناه) [سير أعلام النبلاء، الذهبي، (5/137)]. (وبكى عمر يومًا فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم البكاء، قالت له فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين، مم بكيت؟ قال: ذكرت يا فاطمة، منصرف القوم بين يدي الله عز وجل، فريق في الجنة وفريق في السعير) [صلاح الأمة في علو الهمة، العفاني، (4/213)]. وقال المروزي: (كان أبو عبد الله ـ يعني الإمام أحمد بن حنبل ـإذا ذكر الموت، خنقته العبره، وكان يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموت؛ هان عليَّ كل أمر الدنيا، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنما هي أيام قلائل، ما أعدل بالفقر شيئًا، ولو وجدت السبيل لخرجت؛ حتى لا يكون لي ذكر) [سير أعلام النبلاء، الذهبي، (11/215-216)]. الخوف الذي نريده: وهنا لابد وأن نتعلم درسًا هامًا وهو أن (الخوف ليس مقصودًا لذاته بل هو مقصود لغيره قصد الوسائل ولهذا يزول بزوال المخوف، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والخوف يتعلق بالأفعال والمحبة تتعلق بالذات والصفات، والخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز و جل فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط، قال أبو عثمان: صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرًا وباطنًا، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله) [مدارج السالكين، ابن القيم، (1/541)]. السؤال المحرج: أخي الحبيب، ها قد رأيت بعض أحوال نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم ثم من تبعهم بإحسان من سلفنا الصالح، والآن حق لك أن تسأل نفسك ذلك السؤال المحرج: لماذا خافوا وأمنا نحن؟! ما الذي بلغ بخشيتهم لله ذلك المبلغ، مع أنهم أحسنوا لله العمل؟ وما الذي قصر بنا عن منازل الخشية من رب العالمين، مع أننا مقصرون مفرطون في جنبه تبارك وتعالى؟! وإليك الدواء يا من سألت عن الشفاء، فلاغرو أن هناك أسبابًا لتلك الخشية، لم تبرح قلوبهم وعقولهم، هي التي أوصلتهم إلى ذلك المستوى السامق من خشية الله سبحانه وتعالى، وعندما غفلنا عنها وجدنا لقلوبنا هذه القساوة، وتلك الغفلة عما يراد بنا. ولعل من أهم هذه الأسباب مطالعة القلوب لليوم الآخر، بما فيه من أفراح وأتراح، كما كان يقول حنظلة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن الجنة وعن النار فكأنها رأي عين)، هكذا أيها الحبيب لابد لقلبك أن يطلع على هذا اليوم في هذه الحياة ليقف على ما فيه، فينتبه لما يراد به، فتغمر قلبه خشية باعث من في القبور، ومن تصير إليه الأمور. ولتبدأ أيها الحبيب في الاستماع إلى سلسلة من الأشرطة التي تتناول ذكر الدار الآخرة، لأحد الدعاة المعروفين بالحديث في الرقائق، أو اقتناء كتاب يشمل وصفًا للدار الآخرة. ومن الأشياء العملية الهامة التي تساعدك على استجلاب الخوف من الله، أن تتذكر دومًا هذا الحديث (وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا، أمنته يوم القيامة، وإن أمنني في الدنيا، أخفته يوم القيامة)، فكلما حدثت نفسك بمعصية أو تفريط في طاعة ذكرتها بهذا الحديث الذي يخبرنا بأن الأمان في يوم القيامة يوم الحسرة والندامة لمن خام مقام ربه في هذه الحياة الدنيا، ذكرها به لعل القلب أن يلين والنفس تخشع. رسالة الختام من الأشبيلي ولعلك أنت أيها الشاب من يخاطبك الأشبيلي في عاقبته حين قال: (ولعلك يا هذا تستطيل ركعتين تقرأ فيهما حزبًا أو حزبين، تقوم بهما لربك جل جلاله، ولعلك تعجز عن مشي ميل في قضاء حاجة مسلم. وبين يديك هذا اليوم الطويل المديد والكرب العظيم الشديد الذي لا يقصر إلا على من أطال التعب لله، ولا يسهل إلا على من تحمل الشدائد في ذات الله. ولعلك إن صليتهما ليلة عجزت عنهما ليلة أخرى، ولعلك إن مشيت يومًا في حاجة مسلم برمت من ذلك يوما آخر وضجرت منه وكسلت عنه، وربما مشيت في فضول الميل والميلين وأكثر من ذلك؛ ولو تدبرت في أمرك ونظرت فيما يراد بك لسهل عليك من أمرك العسير، وقرب عليك فيه البعيد، فاعمل رحمك الله في أيام قصار وعمر قصير لأيام طوال وعمر طويل) [العاقبة في ذكر الموت، الأشبيلي، ص (203)]. المصادر: الداء والدواء ابن القيم. سير أعلام النبلاء الذهبي. مدارج السالكين ابن القيم صفة الصفوة ابن الجوزي. العاقبة في ذكر الموت الأشبيلي. صلاح الأمة في علو الهمة العفاني.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |