الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
أطفالنا والتربية لو ماتوا صغارًا |
2012-08-06 11:39
رأيت الدمع يملأ عين أبيه بل ورأيت الحزن يخيم على البيت كله، أمه كادت تموت حسرة، خاله وعمه يعتصر قلبهما حزنًا على فراق هادي ـ تسعة شهور ـ.يا الله .. لم يكد يتم السنة من عمره. نعم كم هو شيء مؤلم أن يموت طفلك صغيرًا؛ لأن ذكرياته معك كلها سعادة إلا لحظة موته فعندها بدأت صفحة الحزن. ستذكر الفرحة ألف مرة يوم وُلد، بل والصبر الطويل تسعة شهور قبل مجيئه، وأخيرًا .. وصل بالسلامة .. الكل ينظر إليه يتأمل يديه ورجليه عينيه وأذنيه .. الكل فرح مسرور بالمولود الجديد .. هذا يداعبه وهذا يلاعبه .. تسعة شهور والكل يرقب نموه وكبره .. ولكن بعد كل هذا مات هادي!! فاجعة ومصيبة عظيمة ألمت بالبيت المسلم لفقد هادي الصغير .. نعم أخي المربي لأنه بلاء عظيم وأي بلاء حتى يُبتلى به خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام. لقد كان لك في رسول الله أسوة حسنة: النبي صلى الله عليه وسلم فقد أبناءه كلهم صغارًا، نعم أخي المربي كلهم ماتوا قبل موته صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة الزهراء حتى إن المشركين كانوا يعيرونه بهذا وينادونه بالأبتر .. والأبتر هو الذي لا عقب له، أي لا ولد له، فإذا مات انقطع ذكره عن العالمين. فعوضه الله تبارك وتعالى لصبره نهر الكوثر وقال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ[1] فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[2] إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ[3]} [الكوثر:1ـ3]. بل وأحيا الله تبارك وتعالى ذكره في العالمين رغم فقد ولده وذكره لا يفارق الأسماع إلى زماننا هذا، وإلى أن تقوم الساعة، هو الذي قال له تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]. فضيلة من تجلد لموت الولد: عندما يصل المسلم إلى درجة عالية من الإيمان، ويبلغ منزلة رفيعة من اليقين، ويؤمن حقيقة بالقضاء خيره وشره من الله تعالى تصغر في عينه الأحداث، وتهون أمامه المصائب ويستسلم لله سبحانه في كل ما ينوب ويروع، وتطمئن نفسه ويستريح ضميره لصبره على البلاء، ورضائه بالقضاء وخضوعه لمقادير رب العالمين. من هذا المنطلق الإيماني أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من يموت له ولد فيصبر ويسترجع يبني الله له بيتًا في الجنة اسمه بيت الحمد، فقد أورد الترمذي وابن حبان عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'إذا مات ولد العبد قال الله عز وجل لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد'. ولهذا الصبر ثمرات يقتطفها الصابر المحتسب، في يوم لا ينفع مال ولا بنون. فمن ثمراته أنه سبيل إلى الجنة .. وحجاب إلى من النار. روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء مرة: 'ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار. فقالت امرأة: واثنان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنان'. وروى أحمد وابن حبان عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 'من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة. قال: قلنا: يا رسول الله واثنان؟ قال: واثنان'. قال أحد الرواة لجابر: أراكم لو قلتم: واحدًا لقال: واحدًا. قال جابر: وأنا إخال ذلك. ومن ثمرات الصبر كذلك أن الولد الذي يموت وهو صغير يشفع لأبويه يوم القيامة. روى الطبراني بإسناد جيد عن حبيبة: 'أنها كانت عند عائشة رضي الله عنهما فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها، فقال: ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحِنْث ـ أي سن البلوغ ـ إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يُوقفوا على باب الجنة فيُقال لهم: ادخلوا الجنة. فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم'. عن أبي حسان رضي الله عنه قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يطيِّب أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم؛ 'صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه ـ أو قال: أبويه ـ فيأخذ بثوبه ـ أو قال: بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى ـ أو قال: ينتهي ـ حتى يدخله الله وأباه الجنة' رواه مسلم. ومن المواقف البطولية الإيمانية التي كان يقفها نساء الصحابة رضي الله عنه والتي تدل على الصبر والرضى والإيمان عند موت الولد. موقف أم سليم رضي الله عنها الرائع وتجلدها العظيم. وإليكم القصة بكمالها كما رواها البخاري ومسلم: عن أنس رضي الله عنه قال: كان ابن لأبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي 'أي مات'، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم ـ وهي أم الصبي ـ أسكن ما كان. فقربت له العشاء فتعشى، ثم تصنعت 'أي تزينت' أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها 'أي جامعها' فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم،؟ قال: لا. فقالت: فاحتسب ابنك 'أي ابنك مات فاطلب الأجر من الله'، قال: فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا تلطختُ 'أي أصابتني جنابة بسبب الجماع'، ثم أخبرتني بابني،!! فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فأقر عليه الصلاة والسلام ـ أم سليم على ما فعلت ثم قال: 'بارك الله ليلتكما'. وفي رواية قال: 'اللهم بارك لهما' فولدت غلامًا سماه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله، فقال رجل من الأنصار: فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن ـ يعني أولاد عبد الله المولود ـ وما ذاك إلا استجابة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ حين دعاء 'اللهم بارك لهما'. ولا شك أن الإيمان بالله سبحانه، إذا ترسخ في قلب مؤمن فإنه يصنع الأعاجيب لكونه يصير من الضعف قوة، ومن الجبن شجاعة، ومن الشح والبخل بذلاً وسخاءً، ومن الجزع والهلع صبرًا واحتمالاً. فما أجدر الآباء والأمهات أن يتذرعوا بالإيمان، وأن يتسلحوا باليقين حتى إذا أصابتهم مصيبة لم يجزعوا، وإذا مات لهم ولد لم يتبرموا، وإنما كان قولهم: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب حتى تحظى بالثواب والأجر عند من له الحكم والأمر.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةمحتويات مشابهة/قالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |