الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
أطفالنا والتربية النية الطيبة لا تكفي |
2012-08-07 12:44
تنهد الأستاذ ناصر تنهيدة طويلة وهو يجلس مع صديقه حامد في قسم الحسابات بشركة المجد للاستيراد والتصدير، فسأله الدكتور ماجد: ماذا بك يا حامد، لماذا هذه التنهيدة الطويلة؟ الأستاذ ناصر: تعبت، تعبت من أولادي يا حامد، لقد قضيت حياتي كلها أحلم بأن أراهم في أحسن صورة وفي أرقى مستوى، لقد تمنيت أن يكونوا رمزًا للأخلاق والقيم والمبادئ، ولكن للأسف، لا أعرف ما الذي حدث، هل أنا المخطئ أم والدتهم أم من؟! لا أدري؟! الدكتور حامد: ما الذي حدث؟! لماذا أنت مهموم هكذا؟! الأستاذ ناصر: رجعت ليلة أمس من العمل؛ فوجدت زوجتي في حالة يرثى لها، لقد قام الأولاد باللعب بالكرة في البيت، فقاموا بتكسير الأواني وتحطيم الزجاج، ولقد نبهت عليهم ألف مرة ألَّا يلعبوا بالكرة في البيت ولكن بغير جدوى، ولم أتمالك نفسيفضربتهم ضربًا شديدًا حتى انقطع بهم البكاء وناموا على هذه الحال. حامد: هل سألت نفسك لماذا يلعب أولادك بالكرة في البيت؟ ناصر: وهل هذا الأمر يحتاج إلى سؤال؟ بالطبع لأنهم يحبون لعب الكرة. حامد: هل تظن أنك بضربك لأولادك علمتهم شيئًا. ناصر: ماذا تعني؟ حامد: أعني أنك لو سألت نفسك بصراحة: ما الذي تعلمه أولادك من ضربك لهم، فبما تجيب؟! ناصر: تعلموا ألَّا يلعبوا بالكرة في البيت. حامد: وهل أنت صادق مع نفسك في هذه الإجابة، ألم تضربهم قبل ذلك ألف مرة وبغير جدوى، كيف تقول أنك علَّمتهم بهذا الضرب شيئًا. ناصر: معك حق. حامد: نعم، لقد علمتهم أنك لا تحبهم، وعلمتهم أيضًا أنك تظلمهم لأنك تعاقبهم على شيء يحبونه، ولا توفر لهم في نفس الوقت البديل الملائم. ناصر: لقد أجرمت في حق أولادي، أليس كذلك؟ ولكني لا أدري ماذا أفعل؟ حامد: لقد أمسكت بالفرشاة يا ناصر وأنت لا تجيد الرسم، تخيل ما شكل الورقة التي ترسمها؟! ناصر: مجموعة من الخطوط المبعثرة، غير متناسقة ولا مرتبة، ولا تدل على شيء. حامد: هذا بالضبط ما فعلته في صياغتك لأطفالك، لقد انشغلت بعلاج السلوكيات الظاهرة ولكنك لم تلتفت للبحث وراء هذه السلوكيات لتعرف دوافعها، ولم تحرص أيضًا أن تعرف قبل أن تتخذ أي إجراء تربوي ما الذي سيتعلمه أطفالك من هذا الإجراء، لقد كانت نيتك يا ناصر طيبة، فأنت تريد أن تربي أولادك تربية جيدة وتريد لهم أرقى مستويات الأخلاق والقيم، ولكن يا ناصر النية الطيبة وحدها لا تكفي! غياب الرؤية في تربية الأولاد: لا يختلف اثنان على أن أي أب أو أم يريدان الخير لأبنائهم، فما إن يولد الطفل إلا ويبذل الوالدان قصارى جهدهما في رعاية ابنهما من توفير للطعام، وشراء الملبس، وإشباع الحاجات لأطفالهم جميعًا، فالأب يستيقظ من نومه مبكرًا ليذهب إلى العمل، ليجد قوت عياله، والأم تسهر على راحة أبنائها من أجل أن تلبي احتياجاتهم. ومع معترك الحياة، ربما تغيب الرؤية العامة في تربية الأولاد عن الوالدين، فالوالد ينتهج مع ولده العشوائية في التربية، فكل ما يهمه هو ألا يقع ابنه في أي سلوك سيء، دون التفكير في أصل السلوك الغير سوي إذا ظهر على الابن، وغرس ما يمكن غرسه من القيم الإيجابية لدى الولد. هذا بالضبط ما يحدث في التربية عزيزي المربي، فناصر كان يمتلك أخلاقًا جميلة، ونية صادقة، ورغبة مشتعلة، ولكنه تحرك بهذه الأدوات الفاخرة بعشوائية فرسم خطوطًا مبعثرة لا قيمة لها، رسم أطفالًا يعانون ضعفًا في الشخصية، وخللًا في الثقة بالنفس، ولم يستطع أن يرسم بأقلامه ما يريد. ولذلك كان على المربي أن يجيد مهارات التربية، وأن يعرف ما هي الشروط اللازم توافرها في نفسه؛ حتى يستطيع أن يصنع النموذج ويرسمه وفق المبادئ العليا التي يؤمن بها. كيف تُربي ولدك طفلك: حتى تستيطع أن تُربي طفلك تربية سليمة، فلابد لك أيها الوالد من إتقان مهاراتان: المهارة الأولى: توفير بيئة تربوية داعمة. المهارة الثانية: اختيار الكلام القليل الدال. المهارة الأولى ـ توفير البيئة الداعمة: تحتاج التربية القيمية إلى بيئة لها شكل معين حتى تؤدي غرضها، فالأساليب على كثرتها لا تستطيع أن تغرس قيمة من القيم ما لم تتوافر البيئة التي تُنَفَّذ فيها هذه الأساليب وتدعمها. وبالتالي؛ فإن الأطفال لن يستفيدوا من أية برامج تربوية ولا أساليب قيمية، إذا لم تتوفر البيئة الملائمة لنجاح هذه الأساليب. فالأسرة على سبيل المثال، لها (دور كبير في تهيئة المناخ المناسب للأبناء، ليكتسبوا القيم الخُلقية الفاضلة، ويعتمد ذلك على جوانب كثيرة؛ منها: تهيئة المجال للابن بإبداء آرائه، والاستماع منه وحل مشاكله، ومزاولة الأنشطة الهامة لديه، وتهيئة الطفل للتعامل مع بيئته الخارجية؛ من خلال التخطيط والإنفاق والاستهلاك وحضور مجالس الكبار، مما يعطي الفرصة للطفل للممارسة العملية لتوجيهه للسلوك الصحيح، وتهذيب خلقه، وإكسابه القيم الإيجابية) [تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى، ص(115)]. والبيئة التربوية المدرسية كذلك من أعظم المؤثرات على العملية التربوية؛ ومنها التربية القيمية، فالمدرسة تستطيع (أن تسهم إسهامًا فعالًا في بناء شخصية الفرد، بما تهيئه له من مناخ صحي يساعد على النمو المعرفي والانفعالي والجمالي والاجتماعي والعقدي، لا بما تقدمه من معلومات نظرية فقط، بل بالممارسة العملية، وما يعنيه هذا من تكامل بين المعرفة والممارسة، وهذ يوضح أن دور المدرسة في تنمية القيم الإسلامية ليس نظريًّا، وإنما هو نظري تطبيقي) [تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى، ص(116)]. ولننظر إلى هذا المثال حتي يتضح أهمية البيئة الداعمة في غرس القيم في الابن: دخلت أم كريم، ففوجئت بأن كريم يلعب على جهاز الكمبيوتر، فقالت له: كريم ألم نتفق سويًّا على ألَّا نعلب إلا بعد الانتهاء من الواجبات المدرسية. كريم: ولكني أريد اللعب يا أمي. أم كريم: وأنا لا أمانع، ولكن علينا أولًا أن ننتهي من الواجبات. كريم: لماذا يا أمي، لماذا؟ أم كريم: لأنك إن لعبت في البداية ستتعب ويصيبك الإرهاق الذهني، فإذا قمت للمذاكرة بعد ذلك وجدت ذهنك مشتتًا بسبب هذه الألعاب، وقد يؤدي ذلك إلى أن تنام من غير عمل الواجبات، وعندما تسألك المدرسة غدًا عن الواجبات فلن تكون جاهزًا بها وستوضع في موقف حرج. كما أن تأخيرك للواجبات بصورة مستمرة سوف يؤدي لتراكم هذه الواجبات؛ مما يؤدي في النهاية إلى تضخم القدر الذي ستحتاج إلى مذاكرته، ولن تستطيع تحصيله؛ وبالتالي سوف تحصل على مجموع غير مرتفع. أما إن قمت بعمل الواجبات أولًا؛ فلن يحدث ذلك كله، بل ستنتهي من واجباتك أولًا بأول، وتحصل على مجموع مرتفع وتصبح من الأوائل، وفي نفس الوقت سوف تلعب كما تحب ولكن بعد الانتهاء من الواجب. كريم: حسنًا يا أمي، سأقوم بعمل الواجبات أولًا، ولكن هذا وعد منك أن ألعب بعدها. الأم: هذا وعد. وبالفعل يقوم كريم لعمل الواجبات المدرسية، وبعد انتهائه منها يخبر أمه فتكافئه باللعب على جهاز الكمبيوتر. المهارة الثانية: اختار الكلام القليل الدال: لا يتحمل الطفل أن يتلقى باستمرار محاضرات كلامية لا تجدي نفعًا، خاصة في حالة تعليمه سلوك أخلاقي، فغرس السلوك الحسن له أساليب فعَّالة سوى الكلام، (إذ لا تمثل الكلمات سوى 7% من عملية الاتصال، بينما تمثل نبرة الصوت 38%، في حين تمثل حركات الجسم وتعبيرات الوجه 55%. كذلك فإنَّ مدة تركيز الطفل بشكل متواصل = عمر الطفل+ دقيقتين، وهذا يعني أن طفل الخامسة يستطيع أن يركز لمدة سبع دقائق متصلة، لذلك يحسن بك ـ عزيزي المربي ـ مراعاة قلة الكلام وانتقاء الألفاظ عند توجيه الطفل، مع الاهتمام بالإيماءات ونبرة الصوت والإشارات والحركات) [محمد سعيد مرسي، كيف تكون أحسن مربي في العالم؟ ص(119)]. كذلك لابد من التنيبه وأنت توجه لولدك الكلام أن تحرص على ألا تحرجه أمام الآخرين، (فحين يقع الطفل في خطأ أمام الضيوف فليس من المناسب أن تقوم أمه أويقوم والده بتأنيبه أو إحراجه أمامهم أو أمام الأطفال الآخرين) [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان، ص(144-145)]. ماذا بعد الكلام؟ ـ لابد أن يكون لك أيها الوالد رؤية في تربية ابنك، فأول شيء وفر البيئة الداعمة لابنك، من خلال أن تنتهج الأسلوب الداعم في تربية ولدك، فيجب أن يراك ولدك تدعمه في كل الأوقات والأحيان، إذا أخطأ أن تقوم بتوجيهه وتفهيمه السلوك الصحيح. ـ اختار الكلمات القليلة التي توصل إلى الهدف، فخير الكلام ما قل ودل. المصادر: · محمد سعيد مرسي، كيف تكون أحسن مربي في العالم؟ · تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى. · تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |