الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
أطفالنا والتربية يا بُني |
2012-08-07 12:34
يا بُنيلقد كان من حكمة الله تعالى، وتديبره أنه لم يترك لنا شيئًا إلا وقد أوضح كيفية التصرف في ذلك الأمر، ومن هذه الأمور، أمر التربية لأن شأنه عظيم وجليل، وفي هذا المقال نتناول ملمحًا من ملامح رحلة تربية الأولاد، وهذه المرة سنعيش مع آيات عظيمة من كلام رب العالمين. يقول تعالى على لسان لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:13-19]. هذا الوالد الصالح الذي شكر نعمة ربه عليه بأنه أعطاه الحكمة، فاستغلها في وعظ ابنه وإرشاده إلى طريق الصواب في الدنيا والآخرة، ({وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}، ويؤكد هذه القضية بمؤثر آخر فيعرض لعلاقة الأبوة والأمومة بأسلوب يفيض انعطافاً ورحمة:{ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين} ويقرن قضية الشكر لله بالشكر لهذين الوالدين، فيقدمها عليها: {أن أشكر لي ولوالديك}. ثم يقرر القاعدة الأولى في قضية العقيدة، وهي أن وشيجة العقيدة هي الوشيجة الأولى، المقدمة على وشيجة النسب والدم، وعلى ما في هذه الوشيجة من انعطاف وقوة إلا أنها تالية للوشيجة الأولى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفاً ، واتبع سبيل من أناب إلي}. ويقرر معها قضية الآخرة: {ثم إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}، ويتبع هذه القضية بمؤثر هائل وهو يصور عظمة علم الله ودقته وشموله وإحاطته، تصويرًا يرتعش له الوجدان البشري وهو يتابعه في المجال الكوني الرحيب: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ، فتكن في صخرة ، أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله. إن الله لطيف خبير}، ثم يتابع لقمان وصيته لابنه بتكاليف العقيدة، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يستتبعه هذا وذلك من مواجهة المتاعب التي لا بد أن تواجه صاحب العقيدة، وهو يخطو بها الخطوة الطبيعية، فيتجاوز بها نفسه إلى غيره: { واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}. ومع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصاب، فالأدب واجب، وهو أدب الداعي إلى الله، بألا يتطاول على الناس، فيفسد بالقدوة ما يصلح بالكلام: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً، إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك . إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}، والمؤثر النفسي بتحقير التصعير والنفخة ملحوظ في التعبير) [في ظلال القرآن، سيد قطب، (5-6/500-1)]. فهكذا هي أصول التربية الصحيحة للأولاد، فالوالد قد جلس مع ابنه في جلسة خاصة يعلمه أمور دينه العظام، والسؤال هنا هل من الآباء الآن من يجلس مع ابنه جلسة وعظية يعلمه فيها أمور دينه؟ بل حتى هل يوجد والد يجلس ولو خمسة دقائق مع ابنه وابنته يعلمهما شيئًا عن الصلاة والعبادات والأخلاق؟ ستجد الآباء في هذا الزمان على ثلاث أصناف: صنف أول لا يوجد عنده وقت ليجلس مع أبنائه فتراه يرجع من عمله متعبًا ثم يتناول طعام الغذاء، ثم ينام قليلًا، ثم يصحو من نومه ليعد نفسه للنزول مرة أخرى ويرجع متأخرًا، ثم ينام ليصحو في الصباح وينزل لعمله مرة أخرى وهكذا الحال في باقي الأيام. وعندما تسأل الأب وتقول له أين أنت من تربية ولدك؟ يقول: أنت ترى حالي لا يوجد لدي وقت، إن أمه تربيه في غيابي. وأما الصنف الثاني: فتجده يخصص لأبنائه وقتًا ضئيلًا جدًا، ومثل ذلك الأب يفعل ذلك حتى لا يُلام من قبل الناس، ويقال عنه أنه مقصر في تربية أبنائه، فهو يجلس مع أبنائه من باب تأدية الواجب، وربما تكون جلسته مع ابنه مجرد أسئلة: ماذا فعلت في المدرسة؟ أريدك أن تكون ناجحًا، إلى غير ذلك من هذه الأسئلة التي ليس لها هدف تربوي، وإنما هي مجرد عمل روتيني. وأما الصنف الثالث: فهو الأب الذي حقًا يربي أولاده ويسير على خطى لقمان الحكيم، فهو يعرف ما الذي سيغرسه في أولاده؟ ويعرف ما الذي ينبغي أن يعلمه ابنه في هذه المرحلة، فهو يعلم جيدًا خصائص كل مرحلة عمرية وما الواجب غرسه في كل منها، وهذا الصنف الذي نبغي ونريد، ويجب على كل والد وكل أم أن تكون مثل هذا الصنف اللقماني. اهتم بولدك: إن الاهتمام بولدك أيها الوالد الحبيب من أهم الأمور، فالاهتمام ليس معناه أن تقوم بتدليل طفلك، وأن تخشى عليه من فعل أي شيء، والاهتمام أيضًا ليس معناه أن ينعم ولدك بمعاملة حسنة منك، وإن طلب منك شيئًا تقوم بتلبيته، والاهتمام كذلك لا يعني فقط السؤال عن حال ولدك، إن الاهتمام الحقيقي هو أن يكون لك تصور كامل عن تربية ولدك، وما الذي تريد أن تغرسه، وما هي المعاملة التي يجب أن تكون مع ولدك، إلى غير ذلك من الوسائل. والطفل يرى في أباه المثل الأعلى، ويحب أن يرى أباه يحبه ويهتم به فكل (طفل يحتاج لأن يعرف أنه محبوب ومقبول لشخصه هو، كما أن الاهتمام بالطفل هو أعظم هبة نستطيع أن نهبها لأطفالنا، وهذه بعض عبارات التعزيز التي تنفذ مباشرة إلى قلب الطفل موصلة له رسالة: "إنك على ما يرام"، وهي: أنك شخص ذو قيمة، إنني مسرور لأنك طفلي) [قوة الحديث الإيجابي، دوجلاس بلوك، ص(3-25)، بتصرف]. بل إن الاهتمام بولدك، هو أعظم جائزة تقدمها له، يقول رونالد موريش: (أهم مكافأة لأطفالك حسن علاقتك بهم، كما أن أهم عقوبة هي عدم رضاك عن سلوكهم، أعط من وقتك لأطفالك، وأبد اهتمامًا بنشاطهم واكتشافاتهم) [مفاتيح التربية البناءة الدليل العملي للآباء والمعلمين، رونالد موريش، ص(103)]. كيف تهتم بولدك: من الأمور الهامة الواجب غرسها في الطفل هي الأخلاق، فهذا دليل على الاهتمام بولدك، فإنك أيها الوالد الموفق حينما (تحرص على إدراك ابنك لأهمية الطباع أو التصرفات الطيبة، فعندما يدرك الطفل تأثير الطباع الطيبة على الآخرين، سوف يكون أكثر انصياعًا ورغبة في تحسين سلوكه، يمكنك أن تقول له: إن هذه الطباع الطيبة سوف تساعدك على كسب احترام الآخرين، عندما يكون الشخص مهذبًا ومتحضرًا مع الآخرين، سوف يكون أسعد حالًا وأكثر راحة، وأما الأمر الثاني، هو تلقينه عادات جديدة تحل محل العادات القديمة، منها: كيف تقابل الآخرين؟ كيف تتعلم آداب الطعام؟ آداب التحدث في الهاتف ....) [لا تعاملني بهذا الأسلوب، ميشيلي بوربا، ص (88-89)، بتصرف واختصار]. إذًا هي الأخلاق: إن المتأمل في وصايا لقمان سيجد أن هذه الوصايا الجليلة تشتمل على أهمية غرس منظومة القيم والأخلاقيات في نفس الطفل، فالأخلاق هي الهدف الذي بُعث من أجله النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) [البخاري]، فالأخلاق عظيمة الشأن كبيرة القدر، وإنما تأتي بالتعود والتدريب عليها. (فإن التدرج في التربية والتدريب والإرشاد لازم حتى يكتسب الطفل الصفة أو المهارة أو لترسيخ الاعتقاد والخلق؛ فالصفات الخلقية والمبادئ الاعتقادية مثل المهارات العضوية تحتاج إلى التدرج في اكتسابها، وتكرار فعلها حتى تُكتسب وتُتقن وتُؤدى بسهولة ويسر وبلا جهد ولا صعوبة. مثل من يتعلم مهنة قيادة السيارات أو تعلم لعبة رياضية؛ فإنه يتعلمها شيئًا فشيئًا، وبتكرار فعلها تصبح سهلة على من يتعلمها بعد أن كانت صعبة وشاقة، بل بكثرة التكرار يمهر فيها ويؤديها بإتقان وكفاءة مع اليسر في أدائها وبأقل جهد؛ فاكتساب الأخلاق رياضة ومجاهدة بأن يحمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، فمن أراد أن يُحصِّل خلق الجود والكرم فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجواد وهو البذل للآخرين وخاصة المال. فلا يزال يطالب نفسه بالبذل، فيواظب على العطاء ويتكلفه رغم مشقته على النفس، فيجاهدها حتى تألف نفسه فعل البذل ويتيسر عليها فعله، ومع التكرار والوقت تعتاد النفس البذل فيصير طبعًا لها، ويصير بذلك جوادًا) [العشرة الطيبة، أ.محمد حسين، ص(216)]. ماذا أفعل؟ حتى نخرج من هذا الحديث بشيء عملي، عليك أيها الوالد بفعل الآتي: 1. ضع تصور عن طفلك وماذا تريد أن يكون. 2. خصص وقتًا ولتكن ساعة كل يوم تجلس فيها مع أولادك تعلمهم وترشدهم. 3. حدد أهم الأخلاقيات التي تريد أن تغرسها في ولدك، وبإذن الله سنتعاون معًا على درب الأخلاق لنغرسها في نفوس أبنائنا. المصادر: · إحياء علوم الدين، الغزالي. · لا تعاملني بهذا الأسلوب، ميشيلي بوربا. · مفاتيح التربية البناءة الدليل العملي للآباء والمعلمين، رونالد موريش. · قوة الحديث الإيجابي، دوجلاس بلوك. · في ظلال القرآن، سيد قطب.
خدمات المحتوى
|
تقييم
الاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |