الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
أطفالنا والتربية لا تحبس ولدك |
2012-08-07 12:43
محمد متحدثًا إلى والده: سأنهي مذاكرتي في التاسعة، وبعدها سأشاهد مبارة كرة القدم. الأب في حزم: من قال لك أنك ستشاهد التلفاز، يجب عليك أولًا أن تستأذنني. محمد في تعجب: ولماذا يا أبي؟ الأب: لا أسئلة معي، عليك أن تطيع فقط. محمد بامتعاض: لقد مللت من هذه المعاملة، إني أشعر أنني في السجن. الأب: أنت لا تعجبك هذه المعاملة، إذًا لا خروج مع أصدقائك يوم الخميس. محمد وقد بدأ يبكي: إنك أب غير رحيم. الأب وقد غضب: أترد علي أيها الولد العاق. ثم قام الأب بإحضار عصاه، وانهال على ولده محمد بالضرب. إنه ليس جندي في الجيش: في عالم التربية، نجد العديد والعديد من نماذج التربية، فهذا والد ينتهج منهج التربية بالقدوة مع ولده، وهذا آخر يعامل ولده طبقًا لصفات ابنه الشخصية، وثالث يترك ابنه يفعل ما يرغبه، حتى لا يجعله مكبوتًا أو محرومًا. ومن ضمن النماذج التي قد نراها، أن تجد الآب يتبع ولده نظام "الطاعة العمياء"، فالابن يطيع والده في كل شيء، لأن هذا من جهة نظر الأب من بر الوالدين، كما أن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]. إن هذا الوالد الذي قد فهم طاعة الأبناء لآبائهم فهمًا خاطئًا، تراه يعامل أبنائه وكأنهم مُجنَّدون في الجيش، فالابن على أن يسمع وينفذ كل ما يراه والده، لأنه أكثر خبرة وأعلم بالأمور من ولده الذي لا يزال صغيرًا. إن الأولاد كما أنهم يجب أن يتعلموا احترام والديهم وطاعتهم، فيجب أن يتربوا بالتوازي مع ذلك على احترام الذات، فالطفل من المهم جدًا أن تُغرس فيه قيمة احترام الذات وكرامته، وهذا لن يتأتى أبدًا من معاملة الأب لابنه على أنه في الجيش، أو الطاعة العمياء لما يقوله الوالدين. وقد أثبتت الكثير من الدراسات والأبحاث بأن الأبناء يمكن أن يكونوا محترمين لذاتهم أو العكس، من خلال النمط الذي تربى عليه الوالدين وهما في الصغر فقد (بينت بعض الدراسات أن أنماط السلوك المبكرة في الاعتمادية أو الاستقلالية ترتبط بأنماط السلوك عند الكبار في مرحلة الرشد حيث وجدت علاقة صغيرة في السنوات الثلاث الأولى من سلوك الإعتمادية في تلك المرحلة ومرحلة الرشد، أما في سنوات ما قبل المدرسة يبدأ السلوك في الاستقرار، وفي الوقت من 6- 10 سنة يمكن التنبؤ بكيفية الإعتماد والاستقلال في الرشد فالأطفال الذين كانوا معتمدين في سن6 سنوات كانوا أميل لأن يكونوا سلبيين ومعتمدين في الرشد) [علم نفس النمو، د.سيد محمود الطواب، ص(254)]. خطر الطاعة العمياء: إن الطاعة العمياء لها آثار خطيرة على الطفل، وهذا شيء طبيعي لأن الطفل يكتسب العادات والسلوكيات سواء كانت سلبية أو إيجابية في الست سنين الأولى من عمره، وتُمثل الطاعة من غير مناقشة أو إبداء للرأي، خطرًا كبيرًا على صحة الأبناء النفسية، وإضعاف شخصياتهم، فنجد أن الولد (لا يُتاح للطفل فرصة اتخاذ قراره بنفسه وعدم إعطاءه حرية التصرف في كثير من أموره. وهذا الأسلوب بلا شك يؤثر سلبا على نفسية الطفل وشخصيته, وإليك عزيزي المربي بعضًا من هذه الآثار: 1. ينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة. 2. يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ورفضها. 3. انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط. 4. نجد هذا النوع من الأطفال الذي تربي على هذا الأسلوب لايثق في قراراته التي يصدرها ويثق في قرارات الآخرين ويعتمد عليهم في كل شيء. 5. ويكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة. وسنجد هذا الطفل عندما يكبر يطالب بأن تذهب معه أمه للمدرسة حتى مرحلة متقدمة من العمر يفترض أن يعتمد فيها الشخص على نفسه، وتحصل له مشاكل في عدم التكيف مستقبلا بسبب أن هذا الفرد حرم من إشباع حاجته للاستقلال في طفولته ولذلك يظل معتمدا على الآخرين دائما [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان، بتصرف يسير]. ولا تقتصر الطاعة العمياء على التأثير السلبي على الطفل فقط، بل أيضًا استمرار الأب في مراقبة طفله إن تضييق الخناق على الطفل باستمرار، وإشعاره بأنه مراقب طوال الوقت وهو يلعب، أو يأكل، أو يتكلم مع أحد إخوته، معناه أننا نمنعه من التصرف على سجيته وكأننا نريد أن نصبه في قالب. والنتيجة الطبيعية لهذا اللون من مصادرة الحرية هو شعوره بالنقص وانعدام الثقة بالنفس والخوف من المسئولية، (كما يجعله لا يستطيع التكيف مع أقرانه بسهولة، ويظل يقاوم بشدة السلطة المفروضة عليه من الأسرة أو المدرسة إلى درجة التحدي، ولا يعترف بخطئه أبدًا، ويلجأ إلى الغضب والصراخ والعنف والتهديد، وما ذلك إلا صورة من صور افتقاد الابن للحرية المنضبطة بالتوجيه والإرشاد، ووقوعه تحت طائلة التربية المستبدة). [موسوعة التربية العملية للأسرة، هداية الله أحمد شاش، نقلًا عن دليل التربية الأسرية، د.عبد الكريم بكار، ص(67)، بتصرف]. معنى الطاعة في الإسلام: إن طاعة الولد لأبيه من الأمور التي حرص الإسلام على ترسيخها وغرسها في كل مسلم، بل إن الذي يعق والديه قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، ولكن مع هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا تكون هذه الطاعة مطلقة، بل قيدها بألا تكون في معصية الخالق سبحانه وتعالى فإن المسلم لا يقدم أمر أحد على أمر ربه وقد سمعت حبيبها صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) [رواه الطبراني في الكبير، (14795)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح]. يحكي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن نفسه: (كنت رجلًا برًّا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتُعيَّر بي، فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني لشيء، فمكثت يومًا وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًا آخر وليلة أخرى لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًا وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك، قلتُ: يأ أمه تعلمين والله، لو كانت لك مائة نفس خرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت) [تفسير ابن كثير، (6/337)]. التوسط في تربية الأبناء: إن خير الأمور الوسط، في التعامل مع الأبناء، فلا التدليل الزائد للأبناء، ولا الشدة والطاعة العمياء، وإنما تكون الحرية للابن في التعبير عن رأيه وحرية النقاش في الأمور التي تخصه، مع الحفاظ على قدر من الحزم المطلوب في بعض الأمور. ـ فالطفل يحتاج لأن يكون حرًا في كل شيء من بداية عمره، في المشي والجري والكلام واللعب بكل مظاهره؛ مع الكبار أو الصغار، في البيت أو المدرسة؛ وهناك خطر في أن نقوم بحبس الطفل في صغره فنمنعه من اللعب، فهذه الطاقة التي تكون عند الطفال في هذا السن، من علامات الصحة النفسية بل والبدنية أيضًا لابنك. (فلا تفرط – عزيزي المربي- في حماية الطفل أو تدليله، فإن حماية الطفل بشكل زائد تشل قدراته، أو على الأقل لا تسمح له بتنميتها، كما تقضي على حب المغامرة والمبادرة لدى الطفل). [الإبداع في تربية الأبناء، د.توفيق الواعي، ص(159)]. ـ ولابد ألا تنسى أيها الوالد إلى التأكيد دائمًا على استقلال ولدك، من خلال كلماتك وجملك التي توجهها لولدك، فإن جمل مثل: إذا أردت ذلك..! إنه قرارك أنت..! هذا الأمر يرجع إليك..! لديك أكثر من خيار..حدد ما يلائمك..! مهما كان خيارك..فأنا موافق..! كل هذه الجمل تساعد على أن يكون طفلك واثقًا بنفسه، فهي تؤكد على احترام الذات، مما يكون له الأثر البالغ عندما يكبر الطفل. ـ (علينا أن نعود الطفل على أن يقوم بشئونه الخاصة، من نظافة ولباس وأكل وشرب، وأن نترك له حرية الاختيار في بعض أموره كاختيار الألعاب والملابس عند شرائها، وأن نعطي الطفل الحرية في الدفاع عن نفسه، والتعبير عن مشاعره وانفعالاته وآرائه الخاصة، مع التوجيه، فالمطلوب إذًا هو الوسطية التي تتيح للطفل الضوابط التي تعين على الانطلاق وتنمي جوانب الذكاء، والإبداع لدى الطفل وتكشف عن مواهبه وتعمل على تنميتها). [التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل، د.مصطفى أبو سعد، ص(71)]. ماذا بعد الكلام؟ ـ لا تعامل ابنك على أنه جندي مُجند في الجيش، بل اجعله حرًا في التعبير عن آرائه، وناقشه في الأمور التي تخصه، واحرص على تعليمه أدب الحوار. ـ إذا كان لك أيها الوالد وجهة نظر في أمر معين، فأخبر ابنك بوجهة نظرك في الأمر، ثم توصل معه لصورة معينة للتنفيذ. المصادر: · التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل، د.مصطفى أبو سعد. · الإبداع في تربية الأبناء، د.توفيق الواعي. · علم نفس النمو، د.سيد محمود الطواب. · موسوعة التربية العملية للأسرة، هداية الله أحمد شاش. · تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان. · تفسير ابن كثير.
خدمات المحتوى
|
تقييم
الاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |