الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
زهرة البيت قطار النجاح والتفوق |
2012-08-06 10:52
الكاتب:أم عبد الرحمن محمد يوسفقد تتعجبين أخيتي الغالية من هذا الكلام؟ إذ كيف يكون الفشل طريقًا إلى النجاح؟! كيف يلتقي هذا الضدان بحيث يكون أحدهما طريقًا للآخر، بل وضرورة لازمة له؟! والجواب سهل ميسور؟ ذلك أن النجاح الباهر الدائم يتطلب من الشخص أن تتوافر فيه سمات خاصة وخبرات متنوعة، لا يمكن أن تتكون في الشخص إلا عبر معاناة الواقع. وقديمًا قال العرب: (الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك). حوار بين الماء والزيت: ويشرح لنا الإمام ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره تلك الحقيقة الثابتة في حوار طريف متخيل بين الماء والزيت: (ذلك أنهما كلما اختلطا في إناء ارتفع الزيت على سطح الماء، فقال الماء للزيت منكرًا: م ترتفع علي وقد أنبت شجرتك؟ أين الأدب؟ فقال الزيت: لأني صبرت على ألم العصر والطحن، بينما أنت تجري في رضراض الأنهار على طلب السلامة، وبالصبر يرتفع القدر). فليس هناك أخيتي الحبيبة نجاح يرتفع به الإنسان في الدنيا والآخرة، إلا إذا سبقه صبر على ألم عصر المحن، وطحن الشدائد والإخفاقات، وأما من يريدون السلامة فإنهم أبدًا يعيشون بالأسفل مع ذاك الماء. إشارات قرآنية: وكم هي تلك الآيات القرآنية التي يشير الله تبارك وتعالى فيها إلى تلك السنة ومثيلاتها، فمن هذه الإشارات: لن يغلب عسر يسرين يقول الله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح:5 : 6] فكلمة العسر جاءت معرفة في الآيتين بالألف واللام، بمعنى أنه عسر واحد في كلتا الآيتين، أما كلمة اليسر فجاءت نكرة في نفس الآيتين -فاليسر في الآية الأولى غيره في الآية الثانية، ومن ثم علق الإمام الشافعي على هاتين الآيتين بقول: (لن يغلب عسر يسرين). فلن يغلب عسر الفشل يسر النجاح أبدًا، ولكن ذلك لا بد وأن يكون مقرونًا بالعمل والصبر والدأب، كما يشير تعالى في الآية التي تليها إلى ذلك بقوله ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ( 7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ))[الشرح : 8] يحيي الأرض بعد موتها: يقول تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد : 17] هكذا أخيتي قد تنبع الحياة من قلب الموت، فهذه الأرض الجامدة ذا أنزل الله تعالى عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من صنوف الحياة وتلك البيضة التي تبدو للعيان جمادًا لا حراك فيه، يخرج منها مخلوق جميل، وهكذا ظلمات الفشل ما إ يثابر الإنسان على عبورها ويصير على معاناتها؛حتى تنقلب بإذن الله إلى أنوار للنجاح مشرقة، تملأ حياة صاحبها حيوية وسعادة وبهجة. حتى إذا استيأس الرسل حتى أفضل البشر رسل الله تبارك وتعالى وأنبياؤه جري عليهم هذه السنة، فلا يطلع عليهم فجر النصر لا من قلب الفشل واليأس والهزيمة،يقول تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف : 110]. لماذا الفشل؟ من أكبر العوائق التي تحول بين الإنسان وبين الخروج من نفق الفشل هو نظرته إلى الفشل، فمعظم الناس يتعلمون درسًا خاطئًا من الفشل، هو أنهم فاشلون ولا يستطيعون تحقيق النجاح، مما يصيبهم باليأس والإحباط،أما الناجحون فينظرون إلى الفشل باعتباره طريقة للتعلم. أخيتي، لماذا الفشل وأنت كائن متفرد، أنعم الله عليه بقدرات هائلة تنتظر منه أن يفجرها لتمكنه من الصعود إلى قمة النجاح. وأنتِ ترتبطين بربكِ سبحانه وتعالى لكي يكون أعظم معين في رحلة النجاح، وسبحانه هو القائل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم : 47]. لماذا تضعين أمام عينيك عقدة المستحيل، فلو فكرتِ وحاولتِ؛ لوجدتِ أن هذه العراقيل سهلة التخطي، وقد يكون بعضها وهمي، فكل أمر بمقدور البشر أن يفعله لا يمكن أبدًا أن يكون مستحيلًا. النجاح وليد التعب والبذل: وخذي هذه الأمثلة التي تؤكد لكِ تلك الحقيقة: طرد الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة فأقام في المدينة دولة ملأت سمع التاريخ وبصره. سجن أحمد بن حنبل فصار إمام أهل السنة. حبس ابن تيمية فأخرج من حبسه علمًا جمًا. ووضع السرخسي في قعر بئر معطلة فأخرج عشرين مجلدًا في الفقه. أُقعِد ابن الأثير فصنف جامع الأصول والنهاية من أشهر أنفع كتب الحديث. نفي ابن الجوزي من بغداد، فجود القراءات السبع. وذلك لأن المؤمن بقضاء الله وقدره إذا داهمته داهية؛ فإنه دومًا يتذكر قوله تعالى: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء : 19]، فينظر إلى الجانب المشرق منها، فيحوِّل الخسارة إلى أرباح، فإذا داهمتك داهية؛ فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليه حفنة من السكر. التاريخ خير برهان: 1- أمة اليابان: قذفت الآلة العسكرية الأمريكية اليابان بالقنبلة الذرية؛ فأدت إلى مقتل مئات الآلاف من البشر في لحظات، وأدت إلى تدمير تام للجيل الياباني الحالي والأجيال التي تلته نتيجة للتشوهات الخلقية من الإشعاعات الذرية، ترى: هل شلَّت اليابان واليابانيين بعد هذه الحرب؟ تعلمين أخيتي، والكل يعلم أنها لم تشل عن الحركة والإنتاج، ولم يقنع اليابانيون بالفشل، بل قامت اليابان من هذه الكارثة أقوى، فَعَلتْ أصوات آلات المصانع الضخمة، وحققت نهضة صناعية جبارة، ووضعتها في مصاف الدول الصناعية الكبرى في العالم. 2- هيلين كيلر: أعجوبة المعاقين: تعجبني الطريقة التي عبرت بها هيلين عن نجاحها بعد فشل محقق قائلة: (لقد أعطاني الإله الكثير من النعم، وليس لدي وقت للتفكير فيما حرمني منه). أتعرفين كيف كان حال هذه المرأة؟؟ أصيبت هيلين بمرض أفقدها السمع والبصر، وبالتالي عجزت عن الكلام لانعدام السمع. ترى هل يمكنها أن تحرز أي تقدم بعد هذه الإعاقات؟؟؟ انظري: حصلت على بكالوريوس علوم في سن الرابعة والعشرين، شاركت في التعليم وكتابة الكتب للمكفوفين، أجادت الخياطة والتطريز وتعلمت السباحة والغوص وقيادة المركبة ذات الحصانين، درست النحو وآداب اللغة الإنجليزية، ودرست اللغة الألمانية والفرنسية اللاتينية واليونانية، ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على شهادة الدكتوراه. 3- فرح: فرح المحارب تبلغ من العمر 9 سنوات تعيش في قرية في الجنوب الشرقي من عمان، تعاني من الإعاقة السمعية والنطقية، إلا أن ذلك لم يقف عائق في سبيل حصولها على المعرفة وطلب العلم، ولانخفاض مستوى الدخل الأسري لم تتمكن من الالتحاق بمدارس لتعليم لغة الإشارة لذوي الاحتياجات الخاصة، فالتحقت بمدرسة قريتها غير آبهة بالتحديات التي ستعترض طريقها. إلا أنها تكيفت مع واقعها المرير، فاخترعت لغة خاصة بها فرضتها على معلميها الذين تعاملوا معها، وأصبحوا يخاطبونها بها، ولا أحد غيرهم يفهم هذه اللغة الخاصة بها، ولم تجد المدرسة بدًا من قبولها لمواصلة دراستها مع زملائها، رغم وجود قيد لهم في المدرسة في الصف الأول الأساسي، وهي في الصف الثالث. فرح التي تنتظر الفرح ركبت قطار التحدي لدخول معترك الحياة العلمية، تترقب من على شرفة نافذتها بزوغ شمس غد مشرق لعلها تحظى بفرص لإكمال دراستها الجامعية في يوم من الأيام. ولا تنسِ .. أيتها الغالية: قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، فأنتِ بحاجة إلى القرب من الله كي تتمكني من تحقيق النجاح الكامل في الدنيا والآخرة. استحضار النية الصالحة في هذا النجاح وجعله لله، فكم من العلماء والمشاهير من حقق إنجازات ولكنه نجاح وقتي، ليس له في الآخرة من نصيب . قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} الشورى : 30]، فاتق شر الذنوب، فيمكن أن تتجرعي الفشل والعجز بشؤم معصيتك. توكلي على الله وتوجهي إليه بالدعاء وأنت موقنة بالإجابة، فسبحانه القائل: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن : 29]، وكذلك تذكري قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر : 10]. وأخيرًا تذكري: 1. (المشكلات الكبرى التي نواجهها لا يمكن حلها إلا بتكاتف العقول والتعاون والبناء والتفكير الجديد للتوصل إلى حلول مبدعة ومبتكرة، وذلك بأن يقدم كلٌّ منا عصارة فكره وتجربته فينتج من ذلك حلول أكثر واقعية وعمقًا، فكما قال إينشتاين: إن المشكلات الكبرى التي نواجهها لا يمكن حلها بمستوى التفكير نفسه الذي كنا عليه عندما صنعناها) [التغيير من الداخل، د.أيمن عبده، ص(226-227)]. 2. تذكري قول ابن القيم رحمه الله: (إنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل، فإذا حاد المسافر عن الطريق، ونام الليل كله، فمتى يصل إلى مقصده؟!)[الفوائد، ابن القيم، ص(99-100)]. المصادر: · العادت السبع للمراهقين الأكثر فاعلية، شين كوفي. · الرجل الصفر، الشيخ إبراهيم الدويش. · التغيير من الداخل، د.أيمن عبده. · الفوائد، ابن القيم.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةمحتويات مشابهة/قالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |