الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
أطفالنا والتربية كيف ترسم الخريطة؟! |
2012-08-07 12:14
الكاتب:عمر إبراهيم(روى ابن خلدون في مقدمته أن هارون الرشيد لما دفع ولده إلى المؤدِّب قال له: (يا أحمد: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة، أقرئه القرآن، وعرفه الأخبار، وروه الأشعار وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة)[الطريق إلى الولد الصالح، وحيد عبد السلام بالي، ص(10)، بتصرف]. وها هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله، يضيء لنا مرة أخرى مصباح على طريق التربية فيقول: (الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر وأُهمِل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (3/72)]. أرأيت أيها المربي، كيف اهتم الأولون من الصالحين، بتربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة سليمة، إنها التنشئة الحقيقية التي يُربى فيها الولد تربية متقنَة، تربية يتعلم فيها القيم الإسلامية الرفيعة، فيغدو عضوًا صالحًا في المستقبل، ينفع مجتمعه ويساهم في نهضة أمته. لقد عرف هؤلاء المربون العظماء كيف يربوا أبناءهم، فخططوا لذلك الأمر العظيم، وأعطوا إرشادات هامة وإشارات تضيء لنا طريق التربية، وتكون نبراسًا لنا في تنشئة الأطفال وتربيتهم، وتكون هذه النصائح خرائط تساعدنا على التخطيط لتربية أبنائنا. إن من أكبر أسباب إصابة كثير من الآباء بالإحباط في مضمار التربية؛ أنهم لا يحسنوا صنع خريطة لتربية أولادهم وتوجيههم. ثم يكون الندم وذلك بعدما تعودوا أن يرموا بأنفسهم في بحر التجارب، دون مقاومة ويتركون للأمواج حرية التصرف بأفكارهم وتصرفاتهم، ثم بعد ذلك يفاجئون بأن الأمواج قد رمت بهم إلى شاطئ لا يحمد عقباه، ويحال بينهم وبين ما كانوا يشتهون من صورة مشرقة لأبنائهم، ويصل بهم الأمر لحال لم يكونوا أبدًا يتصورون الوصول إليه. ولذلك يصابون بالإحباط من أبنائهم، لأنهم لم يخططوا للنتائج التي توصلوا إليها وصدموا بالواقع الذي لم يعملوا حسابًا له. إن القليل من الآباء هم من يخططون لتربية أبنائهم، ويعرفون جيدًا ماذا يفعلون ولماذا، ومتى يقومون بفعل هذا الفعل ومتى لا يقومون به. وما نجح هؤلاء المربون الفضلاء إلا يوم أن علموا أن تنئشئة الطفل مهمة عظيمة، وهي صاحبة خطوات عملية أكثر منها نظرية (فتربية الطفل وتعليمه ليست من فضول القول والعمل، وليست من الكماليات، وإنما هي من الأساسيات والواجبات المتحتمات على الأبوين خاصة والمربين عامة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، قال علي رضي الله عنه في تفسيرها: أدبوهم وعلموهم) [أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، جمال عبد الرحمن، ص(7)، بتصرف يسير]. من اليوم أنت إنسان جديد: وبعبارة أوضح أنت مربٍ جديد، هذا هو طريقك إلى عالم الناجحين في تربية البنات والبنين، من اليوم ينبغي لك أن تترك عالم العشوائية التربوية وتبدأ حياة تربوية جديدة، وتغير طريقتك في التربية، إن رمت أبناء صالحين. ستترك مدرسة السليقة والصدفة والعادة، وستبدأ معنا في مدرسة التخطيط والفاعلية التربوية تلك المدرسة التي من شأنها أن ترسم معالم الطفل وتربيته، (فتنشئة الطفل عمل شاق يستغرق وقتًا طويلًا، ولا يكون مردود هذا العمل واضحًا للوهلة الأولى في معظم الأحيان، ولاشك أن الاعتناء بالأطفال ورؤيتهم يكبرون ويصيرون أشخاصًا طيبين، هو من أعظم دواعي الرضا في الحياة لكثير من الآباء، إنه بلاشك عمل إبداعي وخلاق على كافة المستويات، بل إن الفخر بأي إنجاز على المستوى العالمي يتضاءل إذا ما قورن بهذا العمل) [كتاب د.سبوك لرعاية الطفل للقرن 21، بنجامين سبوك، ص(7)، بتصرف يسير]. كيف أخطط لتربية أولادي؟؟! سنقدم لك عزيزي المربي دليلك في التخطيط لتربية أولادك: دليل التخطيط: ما هي السلوكيات التي يحتاج أطفالي إلى تحسينها؟ الهدف: 1. أدرج السلوكيات المحددة التي تتوقعها من أطفالك في قائمة. 2. اختر واحدًا أو اثنين من السلوكيات الأولية؛ لتقوم بتغييرها. 3. احتفظ بما تقوم بتسجيله، واحسب عدد المرات التي يحدث بها الطفل السلوك المراد تغييره. 4. ماذا سأقوم بفعله؟ المحفزات. الجداول. العقود. العقوبات. 5. اشرح الخطة لأولادك، وأطلعهم على أخطائهم واجعلهم يشاركون في حلها. 6. قم بالتقييم "كيف أدرك أن الخطة تأتي بفائدة؟" احتفظ بسجل آخر كما فعلت في الخطة الرابعة واحسب عدد المرات التي يحدث فيها السلوك الأولي في كل يوم. 7. كيف سأقوم بتعديل الخطة؟ "في حالة أنها لم تؤدي دورها"، وما النتائج الأخرى التي يمكنني أن أستخدمها، اسأل نفسك هذه الأسئلة. هل أنا ملتزم بالتغذية الاسترجاعية الإيجابية؟ "التحفيز" هل أعطيت للخطة الوقت الكافي حتى تأتي بفائدة؟ هل أنا مستمر في توقيع العقوبات؟ هل أغضب؟ هل أصرخ وأصيح؟ مثال تطبيقي للخطة: مشكلة الكذب عند الأطفال: أب يعاني من مشكلة طفله الكذوب. كيف يحل الأب هذه المشكلة؟ يبدأ الأب في وضع خطة لحل هذه المشكلة. 1. يتم رصد هذا السلوك على مدار الأسبوع: يقوم الأب برصد هذا السلوك على مدار الأسبوع، ويقوم بإطلاع طفله عليه، ومناقشته حول هذه المشكلة، وكيف أن الكذب خصلة من خصال النفاق، ولا يصح أن تكون موجودة في المسلم، ثم يقوم الأب بإطلاع الطفل على هذا السلوك على مدار الأسبوع. يسأل الأب نفسه ماذا سأقوم بفعله.. 1. المحفزات: يقوم الأب بوضع وسيلة لتحفيز الطفل على ترك السلوك السيئ: · التحفيز عن طريق الثناء في حال ترك الطفل هذا السلوك. 2. الجداول والعقود: سيقوم الأب بعقد جدول بينه وبين طفله كالجدول السابق لرصد الكذب عند طفله، والاتفاق معه أنه في حالة القضاء على السلوك بنسبة 95% ستكون هناك جائزة. 3. المكافآت: سيحدد الأب المكافأة التي سيكافئ بها طفله في حالة الإقلاع عن هذا السلوك، وظهور هذا في الجدول المعقود بينه وبين طفله. 4. العقوبات: يقوم الأب بتحديد العقوبة التي ستقع على الطفل في حالة عدم استجابته، لتغيير السلوك ويقوم الأب بالإتفاق مع الطفل على هذه العقوبة. 5. بعد أسبوع يقوم الأب بتقييم الخطة من حيث درجة النجاح، ويكون ذلك من خلال مشاهدة الأثر على سلوك الطفل. إذا أخفقت الخطة عن تأدية الدور المنوط؛ بها يقوم الأب بالبحث عن السبب في إخفاق الخطة: · هل كان الخطأ في تنفيذ الخطة؟ الأب لم يقوم بدور التحفيز. الأب لم يكن صارمًا في تنفيذ العقوبة. الأب لم يكن صادقًا في منح المكافئات. الأب لم يهتم بمتابعة الجدول بصورة دورية. الأب لم يترك لطفله فرصة المشاركة في معالجة السلوك. · أم كان في الخطة نفسها؟ المكافأة لم تكن جذابة. العقوبة لم تكن مؤثرة. وسيلة التحفيز لم تكن مؤثرة. فإن كانت المشكلة في تنفيذ الخطة تأتي من عند الأب، فعليه أن يقوم بتغيير الخلل، ويعلم أنه لا ثمة نجاح يرجى إلا باتباع هذه الطريقة في علاج السلوكيات. وإن كانت المشكلة في الخطة نفسها يقوم الأب بتعديل الخطة، بالطريقة التي تكفل تحقيق الهدف. ويقوم بمتابعة هذا التغيير على مدار الأسبوع، فإن أدى إلى تحقيق الهدف وإلا يقوم الأب بتغييره، وهكذا؛ حتى يصل الأب إلى تحقيق الهدف. آخر كلمة: (لتكن همتك مع طفلك، أن يكون ناجحًا في الدنيا، مفلحًا في الآخرة، سعيدًا في الدارين، نافعًا لنفسه ولغيره، قويًا في جسمه ودينه، محبًا للخير داعيًا له، يعيش مع الناس في مودة وتعاون، فكذلك كانت همة الصالحين القدوة للناس أجمعين، يُذكر أن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما كانت تحمل معاوية رضي الله عنه وهو صغير، فرآه أحد العرب الذين يتوسمون، فقال لها: أرى هذا الطفل أنه سيسود قومه، فقالت بعزم من توها: ثكلته أمه إن لم يسد إلا قومه) [العشرة الطيبة، محمد حسين، ص(247)]. عزيزي المربي. قد تجد هذا الأسلوب غريبًا وجديدًا عليك. ولكننا اتفقنا من البداية أنك اليوم إنسان جديد ومرب جديد، تربي طفلك بأسلوب جديد. ولا يسعنا في ختام هذا المقال، إلا أن نذكرك بقول أحد الناجحين "إذا لم تخطط لحياتك فقد خططت لتفشل". ونحن أيضًا أيها المربي الحبيب نقول لك: ("إذا لم تخطط لتربية طفلك فقد خططت، لتفشل في تربيته). المراجع: · العشرة الطيبة، محمد حسين. · كتاب د.سبوك لرعاية الطفل للقرن 21، بنجامين سبوك. · أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، جمال عبد الرحمن. · الطريق إلى الولد الصالح، وحيد عبد السلام بالي.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |