الرئيسية
الأخبار
|
الأسرة والأبناء |
أطفالنا والتربية ثالث الأبوين..! |
2012-08-07 12:13
الكاتب:سحر محمد يسريضيف فرض نفسه..! لم يطرق الباب ولم يستأذن في الدخول، وإنما نحن الذين دعوناه وبإلحاح؛ لكي يدخل إلى بيوتنا ليتبوأ منها مكان الصدارة في غرف الجلوس والمعيشة، وليصير واحدًا من أفراد الأسرة. لقد كانت نيتنا حسنة في دعوته للإقامة بيننا .. كي يقدم لنا المفيد والنافع من المعلومات في أوقات الفراغ، ويطلعنا على أخبار العالم في تقارير حية بالصوت والصورة، ثم ليقدم لنا الترفيه إذا أصابنا الضجر والملل .. فإذا به يتعدى حدوده، ويسرق منا فلذات أكبادنا، فتراهم جلوسًا طوال اليوم أمامه يتشربون ما يلقيه إليهم من مواد جمعت بين الغث والسمين. إنه _ وفي غفلة من الآباء والأمهات _ صار شريكًا في تربية الأبناء..!! وللأسف رضي البعض بذلك وكأنهم عجزة لا يستطيعون حيلة، ولا يجدون سبيلًا يواجهون به هذا الشريك، فنسمع بعض الآباء والأمهات إذا صدر عن ولده تصرف لا يليق، يقول معتذرًا: إنه جيل التلفزيون..! عزيزي المربي.. (يعد التلفزيون أحد المؤسسات الثقافية الهامة، وأهم وسائل الاتصال الجماهيرية، وأكثرها تأثيرًا على الإنسان، من الكبار والصغار على السواء، وذلك لما شمله بناؤه التقني من الجمع بين الصوت والصورة؛ مما يجعل رسالته الإعلامية أسهل، وأقرب للاستيعاب والإدراك عند جميع طبقات المجتمع، وقد شغف به الأطفال شغفًا شديدًا لما فيه من جذب وإمكانية فائقة على شغل وقت الفراغ، إلى جانب سهولة تناوله واستعماله) [مسئولية الأب المسلم في تربية ولده، عدنان باحارث، ص(482)]. مكمن الخطر: على الرغم من أن الأبناء تكتنفهم في زماننا العديد من الفتن؛ التي يتعرضون لها في الشارع والمدرسة والنادي والأسواق وغيرها، لكن الخطر الذي يمثله جهاز التلفزيون على وجه التحديد يبقى خطرًا من نوع خاص، فهو قد دخل على الوالدين في بيتهما، في سلطانهما، يشارك الأب في تربية أولاده، وينافسه على تمام ولائهم، وانقيادهم لأنماط السلوك والمعتقدات التي يتبناها، ويرجو أن تتمثل في أبنائه. ولكن تعلق الأبناء بهذا الجهاز شديد الجاذبية والتأثير؛ يعوق تحقق هذه الأهداف التربوية على الوجه المطلوب في كثير من الأحيان. إدمان المشاهدة لدى الأطفال: وقد يصاب بعض الأطفال بالإدمان على مشاهدة التلفزيون، ونقصد بالإدمان أن تكون تلك المشاهدة هي العمل المفضل لدى الطفل وأن تسبق أو تستوعب وقت فراغه كله باختياره، فلا يكون شغفًا باللعب أو ملاقاة الأصدقاء أو ممارسة الهوايات، وبالطبع تكون عدد ساعات المشاهدة في حقه أطول من الطفل العادي. ولو أردنا أن نقف على أسباب إدمان الأطفال لمشاهدة التلفزيون، سنجد أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى ذلك مثل: - التساهل والتراخي التربوي من الوالدين أو أحدهما، حيث يجد في التلفزيون المنقذ له من صراخ الأطفال، فيركن إلى ذلك دون رقابة أو توجيه أو فرز وتنقية للمواد التي يراها الطفل. - (أثبتت بعض الدراسات أن أكثر هؤلاء المدمنين من الأطفال يكونون من فئة قليلي الذكاء، ومن الذين لا يشعرون بالاطمئنان والأمن، ومن الذين يجدون صعوبة في تكوين علاقات مع أقرانهم، فيجدون في قربهم من هذا الجهاز شيئًا من الأمن والصحبة) [عبد الرحمن عيسوي: الآثار النفسية والاجتماعية للتلفزيون العربي،ص:53]. عزيزي المربي.. ولقد أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث التربوية والإحصائيات الرقمية، أن للتلفزيون مضار على الأطفال بوجهعام إذا لم تسر عملية المشاهدة تحت رقابة وتوجيه أسري، وتزداد هذه المخاطر والأضرار إذا زادت ساعات مشاهدة الطفل للتلفزيون وتحولت إلى إدمان. وهذه المضار تتنوع لتشمل كافة الجوانب المتعلقة ببناء شخصية الطفل، مثل: - اكتساب سلوكيات العنف: فقد أثبتت الدراسات والأبحاث في هذا الشأن، أن هناك علاقة وثيقة بين العنف وبين مشاهدة التلفزيون، حتى إن إحدى تلك الدراسات التي أجريت حول تلاميذ في المرحلة الابتدائية شاهدوا فيلمًا يحتوي على مشاهد عنف، وبعده طلب منهم مساعدة طفلين يتشاجران معًا فاستغرق تقديمهم للمساعدة وقتًا أطول من أطفال آخرين لم يشاهدوا الفيلم وطلب منهم مساعدة الطفلين؛ إذ قد ثبت أن تحمل رؤية مشاهدة العنف في أرض الواقع يطول كلما زادت مدة مشاهدة العنف في التلفزيون [محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء، ص:118]. كما أن تكرار تعرض الأطفال للمشاهد العنيفة في البرامج؛ يجعلهم يميلون على الاعتقاد بأن العنف وسيلة سريعة وبسيطة لحل المشكلات، كما يتولد لديهم شعور بالتسامح تجاه العنف في الحياة، ويصبحون أقل حساسية تجاه آلام الآخرين [د. بهية الجيشي: تنمية المهارات الإيجابية الناقدة للتلفزيون عند الأطفال:63]. - تشويش قيم العقيدة والدين في ذهن الطفل: لأنمعظمالجهاتالمنتجة لأفلام الكرتون والتي تجذب الأطفال بشكل كبير، إنما تصدر عن أصحاب عقائد منحرفة، فنجد هذه المواد تحتوي بشكل واضح على قيم كفرية، مثل وجودأكثرمنإلهفيالكونكالصليبوالشمس، وصاحب الظل الأخضر وغيرها، هذا غير الكثير من القيم والثوابت التي يهدمها التلفاز والأفكار الفاسدة التي يسوِّق لها. - المشكلات الصحية: إن تناول الأطفال لوجبات الطعامأمام التلفزيون يؤدي إلى إصابة أكثرهم بخطر السمنة، إذ تبين ميدانيًا أن مجرد تناولوجبة طعام واحدة أمام التلفزيون؛ يؤدي ذلك إلى زيادة المشاهدة اليومية المعتادة لمدةتتراوح بين 27 إلى 38 دقيقة. كما يؤدي طول المشاهدة ـ خاصة إذا كانت الغرفة مظلمة، مع قصر المسافة بين الجهاز وعيني الطفل ـ إلىإرهاقالعين، ومن ثم ضعف الإبصار. - حرمان الطفل من اللعب: من أبرز الآثار السلبية للمشاهدة التلفازية في التكوين النفسي والسلوكي للطفل؛ هي حرمانه من فترات اللعب حيث تجور ساعات المشاهدة على وقت اللعب الذي هو الشغل الشاغل للطفولة، والذي يعتبر أهم أداة لنقل الكثير من المعارف والوسيلة، التي يستطيع بها أن يمارس ويطور سلوكيات ضرورية لنجاحه ككائن اجتماعي [د.خالد سعد النجار:التربية التلفازية بين الإيجابيات والسلبيات،ص:37]. وقد يتجه الطفل للعزلة، كمايميل إلىالكسلوالخمول، ممايقللمن فرصالإبداعوممارسة الهوايات لديه. وكيف السبيل إلى الحل؟ هل نخرج التلفزيون من بيوتنا؟ أم ماذا نفعـل؟ في السنوات الأخيرة منَّ الله تعالى على المسلمين بالعديد من القنوات الفضائية النافعة، وكذلك العديد من قنوات الأطفال المتخصصة ذات الطابع التربوي والتوجه الإسلامي، والتي لا تخلو من أساليب جذابة في العرض والطرح لموادها المعروضة للمشاهد، الأمر الذي أصبح معه الخيار الأمثل ليس هو إخراج التلفزيون نهائيًا من المنزل، وإنما اقتناء التلفزيون مع وضع قيود وضوابط صارمة لما يحتويه من قنوات، ثم لمشاهدة الأبناء له، بالشكل الذي يجعله عامل بناء وليس عامل هدم كما كان سابقًا، وإليكم بعض هذه الضوابط: - بكل حزم لابد أن يوضع للتلفزيون قيود زمنية تتعلق بالفترة التي يسمح فيها للطفل بالمشاهدة، ولتكن ساعتين يوميًا، وبالطبع قد يثير مثل هذا القرار غضب الصغار في باديء الأمر، لكن بالصبر والحزم في التنفيذ يتعود الطفل على أن للمشاهدة وقتًا لا تتعداه. _ أوجد بدائل جذابة ومحببة للطفل، وقم بتجهيزها مسبقًا، مثل الرسم وعمل الأبحاث، والالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، أو الاشتراك في أحد الأندية الرياضية، أو المكتبات العامة، أو المشاركة في الأنشطة الصيفية بالمدرسة. - ضرورة التغيير بطريقة جميلة ومتدرجة، مع الاستمرار في تحفيز الأبناء ومكافأتهم على أي بديل يختارونه ويسيرون فيه بنجاح. - لابد أن يرى الصغار في الوالدين مثالًا يحتذى في التحرر من استعباد هذا الجهاز لمن يشاهده، كما ينبغي ألا يكون هو الوسيلة الوحيدة للترفيه وقضاء أوقات الفراغ داخل الأسرة، فتكرار استخدام الوالدين لجهاز التلفزيون أمام الأولاد بطريقة منضبطة يوصل لهم رسالة مفادها: (أننا نحن الذين نتحكم في الجهاز، والعكس غير صحيح، فنفتحه عند الحاجة لمشاهدة المفيد من البرامج التي تستحق المشاهدة، وفور انتهائه نغلقه وننتقل إلى غير ذلك من الأعمال المفيدة). - لا تجعل أطفالك ينامون عقب مشاهدة التلفزيون مباشرة، وذلك لكي لا يترسب ما شاهدوه في عقلهم الباطن ويؤثر في نفوسهم، وليكن هناك فاصلًا زمنيًا تتحدثون فيه عن أحداث اليوم السابق، أو تحكي لهم حكاية قبل النوم. - ضع جهاز التلفزيون في مكان غير مريح، بحيث لا يغري الجالس أمامه على إطالة الجلوس والاستمرار في المشاهدة لفترة طويلة. لا تضع التلفزيون في حجرة مغلقة أو في حجرة الأبناء أنفسهم؛ فإن ذلك يضعف رقابتك عليهم، ويهيئ لهم الانعزال بأنفسهم وقتًا طويلًا في غرفتهم؛ ومن ثم يضعف الرباط العائلي بينهم وبين الوالدين[محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء: 119]. - كذلك لا تضعه في غرفة الطعام أو تفتحه أثناء تناوله مع أبنائك، فوقت تناول الطعام من أفضل الأوقات لتبادل الأحاديث الودية مع الأبناء وتفقد أحداث يومهم.. كيف كان؟ وماذا فعلوا فيه؟ وما الطريف الذي قابلهم من أحداث؟ وكل ذلك من شأنه أن يفيض عليهم بأحاسيس الدفء العائلي، الذي يحتاجون إليه أكثر بكثير من حاجتهم لمشاهدة التلفزيون. - يمكنك ـ عزيزي المربي ـ وضع برنامج أسبوعي للترفيه بعد مناقشته أمام الأطفال؛ بحيث يكون مقبولًا لديهم ويغطي رغباتهم، وعندما يجد الأبناء فيه ما يمتعهم من لعب وفرح ومرح، فإنهم سوف يتحللون من سيطرة المسلسلات والبرامج التلفزيونية، التي أحكمت القبضة علي مشاعرهم وعقولهم. - اجعل يومًا من كل أسبوع لا يفتح فيه التلفزيون نهائيًا، ولاحظ كم ستفيد تلك التجربة في تحرير الأبناء من قيود تلك الأجهزة؟!! وأخيرًا .. إن الحل الأمثل في التعامل مع التلفاز هو إحكام السيطرة عليه وتنظيم مشاهدة الأبناء له، وليس منعه أو عدم اقتنائه... نعم .. قد يحتاج هذا الأمر إلى مجهود كبير وحسن متابعة من الوالدين، ولكنها تكاليف التربية الناجحة التي نؤديها بحب وسعادة من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا. المراجع: - مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء: محمد سعيد مرسي. - الآثار النفسية والاجتماعية للتلفزيون العربي: عبد الرحمن عيسوي. - مسئولية الأب المسلم في تربية ولده: عدنان حسن باحارث. - تنمية المهارات الإيجابية الناقدة للتلفزيون عند الأطفال: د. بهية الجيشي. - التربية التلفازية بين الإيجابيات والسلبيات: د.خالد سعد النجار.
خدمات المحتوى
|
تقييم
محتويات مشابهةالاكثر تفاعلاًالافضل تقييماًالاكثر مشاهدةًالاكثر ترشيحاًالافضل تقييماً/قالاكثر مشاهدةً/قالاكثر ترشيحاً/ق |